المقدمـــــة:_
العمل الزراعي من أقدم الأنشطة البشرية ممارسةً، لارتباطه المباشر والوثيق بعملية إنتاج الغذاء وتحقيقه وتلبيته لحاجيات الإنسان الأساسية من مأكلٍ ومشرب. فكل الأنشطة البشرية الأخرى قديمها وحديثها ترتبط مباشرةً بالعمل الزراعي، حيث يعتبر القطاع الزراعي المحرك والداعم الأساسي لها، فقطاعات التجارة والصناعة والنقل وغيرها من القطاعات تمثل المخرجات الزراعية بالنسبة لها المحرك والداعي الأساسي لبقائها واستمرارية مزاولتها. فغاية العمل الزراعي توفير الغذاء وجعله متاحاً وقابلاً للاستهلاك ليتمتع الجميع بحياةٍ حيويةٍ ونشطةٍ ومعافاة. والغذاء في عالم اليوم، أضحى سلاحاً تشهره الدول الغنية في وجه الشعوب والأمم الفقيرة فتسلبها قرارها وسيادتها الوطنية، لذا تعتبر مسألة تحقيق الأمن الغذائي الغاية الأساسية والهدف والمبتغى الأسمى للدول الذي ترجوه وتعمل من أجله.
الأمن الغذائي..رؤيةٌ للمدرسة الغربية:_
الأمن الغذائي يمثل الهاجس الأكبر والموضوع الساخن الحاضر على طاولة كل الحكومات، وبخاصةٍ حكومات الدول النامية. كما يلقى اهتماماً متزايداً، بل أصبح القضية الأولى في جدول أعمال العديد من المنظمات المحلية والأقليمية والدولية، والأمن الغذائي _وإلى وقتٍ قريب_ ارتبط مفهومه بمفهوم الاكتفاء الذاتي من الغذاء، والذي تطور كثيراً ليرتبط بمسائل أكثر عمقاً وشمولاً مثل: الحد من الفقر، العمالة وتوزيع الدخول. لقد عرفت الأدبيات الحديثة الأمن الغذائي بأنه: "تمتع كافة السكان، وفي جميع الأوقات، بفرص الحصول على أغذيةٍ كافيةٍ وسليمةٍ ومغذية، لكي يمارسوا حياةً موفورةً بالنشاط والصحة". ولتحقيق الأمن الغذائي، هناك أربع ركائزٍ أساسيةٍ يجب توافرها لبلوغ هذه الغاية:
ý الركيزة الأولى: استقرار الإمدادات الغذائية الكافية Food Stability ،
ý الركيزة الثانية: إتاحة الأغذية دون أية عوائق Food Availability ،
ý الركيزة الثالثة: الوصول إلى الأغذية واستهلاكها Food Access and Consumption و
ý الركيزة الرابعة: استخدام الأغذية Food Utilization .
الأمن الغذائي.. رؤية تأصيلية:_
الناظر المتفحص في مسألة الأمن الغذائي، يدرك أنها ذات أصولٍ وجذورٍ عقديةٍ راسخةٍ في ديننا الحنيف كغيرها من القضايا الحياتية التي شملها وتطرق إليها كتابنا الكريم. ففي إشارةٍ واضحةٍ وقوية نجد سورةً كاملةً هي سورة قريش، هذه القبيلة والتي هي سيدة قبائل العرب في زمانها وسادنة بيت الله الحرام، فبعد أن حفظ الله مكة _مقر القبيلة_ من غزو أصحاب الفيل، امتن على أهلها بائتلاف واجتماع الناس حولها، وتمتعهم بنعمة الأمن فيها بعد الخوف والإطعام بعد الجوع.
ونلحظ في موضعٍ آخر، التناول الدقيق لواحدةٍ من آليات الأمن الغذائي الحديثة، حيث عالجت سورة يوسف عليه السلام، خطةً غذائيةً امتدت لخمس عشرة عاماً من خلال آلية التخزين Storage وإدارتها بأكفأ الطرق، في ظرفٍ كانت تواجه فيه الدولة المصرية موجاتٍ عاصفةٍ من القحط والجفاف. فالتخزين آليةٌ تدخل ضمن حزمةٍ متكاملةٍ لإدارة الأمن الغذائي في عالم اليوم.
وأكثر من ذلك، يتناول القرآن الكريم مفهوم سلامة الغذاء Food Safety ، حيث جاء ذلك في سورة الكهف ((فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منه)) ، وهذا المفهوم من ركائز الأمن الغذائي، الذي اتجهت إليه الدول المتقدمة بعد تجاوزها مرحلة تحقيق الأمن الغذائي.
كما دعت السنة النبوية المطهرة، إلى إزكاء روح التكافل الإجتماعي، حيث جاء [ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائعٌ إلى جنبه]، وغيرها من النصوص الشريفة.
رؤية خاصة حول الأمن الغذائي في السودان:_
التخفيف من حدة الفقر هو إحدى الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة Millennium Development Goals (MDGs) والمنظور تحقيقها بحلول العام 2015م. وهذا الهدف يتأتى بزيادة مستوى الأمن الغذائي بمفهومه الشامل، والذي يعتبر هماً مشتركاً تضطلع به الأجهزة الحكومية التنفيذية إلى جانب المنظمات المحلية والإقليمية والدولية العاملة في المجال إضافةً لمؤسسات المجتمع المدني.
وبهذه الرؤية، تبدو الحاجة ماسةً إلى قدراتٍ إداريةٍ فذةٍ وقادرةٍ على جمع وصهر الجهات العاملة والفاعلة في مجال الأمن الغذائي في جسمٍ واحدٍ ليكون مرجعيةً للدولة، وليقوم بدورٍ تنسيقيٍ بين أجهزته المكونة له، ولتنفذ من خلاله برامج الاستراتيجية الوطنية دون التأثير على أنشطة الأجهزة والمؤسسات المكونة له منفردة، كما هو المعمول به في دول العالم.
ومن الخطأ بمكان، إسناد إدارة ملف الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي إلى جهةٍ حكوميةٍ واحدة (وزارة الزراعة) وجعلها المسئولة وحدها عن تلبية متطلبات الــ MDGs الخاصة بموضوع الفقر. إذ أنه _وكما رأينا_ فالعملية متكاملة تتطلب درجةً عاليةً من التنسيق بين الجهات التي يمكنها الإضطلاع بدورٍ مؤثرٍ في الدفع بعجلة هذا الملف إلى الأمام وتحقيق الغاية المرمي تنفيذها.
ففي الوقت الحاضر، فالجهات الحكومية العاملة في هذا المجال هي: وزارة الزراعة (من خلال إداراتها المتخصصة)، وزارة الثروة الحيوانية والسمكية، وزارة الري والموارد المائية، وزارة الشئون الإنسانية، وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وزارة الصحة، وزارة الطرق والجسور، وزارة التربية والتعليم العام.
الوضع الراهن للأمن الغذائي في السودان:_
من الرسم البياني أدناه، وحسب المعلومات المتوفرة للفترة بين 02\2003-08\2009م، وبقياس وضع الأمن الغذائي في السودان من خلال ميزان الحبوب الغذائية Food Balance Sheet، يتضح لنا: أن هناك عجزاً بدرجةٍ كبيرةٍ تم تسجيله في المواسم: 02\2003، 04\2005، 05\2006، 07\2008 و 08\2009 بلغ على التوالي: 1265-، 1434-، 427-، 1472-، 1004- ألف طن من الحبوب الغذائية، وسجل الموسم 07\2008 أعلى معدل للعجز الغذائي، بينما سجل موسم 05\2006 أدنى معدل للعجز الغذائي في السودان.
وفي الفترة المذكورة، سجل الميزان الغذائي فائضاً للموسمين 03\2004، 06\2007 بلغ 172، 236 ألف طن على التوالي.
· المصدر: إدارة الأمن الغذائي/ وزارة الزراعة.
وخلاصة القول، أننا بحاجةٍ إلى استراتيجيةٍ وطنيةٍ خاصةٍ بالأمن الغذائي، تنفذ من خلال الآلية المشتركة الجامعة للجهات العاملة في المجال، وتوسيع دائرة المشاركة فيها بادخال وإشراك المنظمات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني.