التَّفَكُّرْ عبادةُ ساميةُ رفيعة، حث عليها سلفنا الصالح عليهم رضوان الله تعالى بعضهم بعضاً، ودعوا إليها "تَعَالوْا بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَة"، ليزداد إيمانهم ويقينهم بخالقهم، ذلك أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رغب فيها "تفكروا في مخلوقات الله ولا تتفكروا في ذاته فتهلكوا"، إذن فميدان هذه العبادة هي النظر والتفكر في خلق الله بغاية زيادة العلم الذي يدعو إلى الإيمان. وهذا الخلق رفع الله شأنه وأعظمه: "هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين " (لقمان:11)، " الذي احسن كل شيء خلقه وبدا خلق الانسان من طين" (السجدة:7)، " الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل " (الزمر:62)، " الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " (الملك:14)، " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينه ويخلق ما لا تعلمون " (النحل:8)، " ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين" (الأعراف: 54).
والخلق كما أخبرت الآيات الكريمة عظيمٌ وواسعٌ مداه، من لدن مايصغر عن الذرة " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " (الزلزلة: 7) وحتى أعظم الخلق وأرفعه: السماوات والأرض " لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون " (غافر: 57). والسماء لغــةً: كل ما علا وارتفع عنك، فيدخل فيها مكونات وعناصر الكون المرئ بأجرامه المختلفة. والكون تتوسع أقطاره باستمرار بمعدل 19 كلم/الثانية، القرءان أخبر بهذه الحقيقة منذ قرون " والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون " (الذاريات:47).
وعناصر الكون المرئ عديدةُ متنوعة، فمنها على سبيل المثال: الكواكب، الكويكبات، النجوم، المجرات، الشهب، النيازك، المذنبات، الأقمار(التوابع)، ...إلخ، وكل من هذه المكونات له تعريفه ونظامه المحدد الدقيق المحكم الذي يسير عليه. فالتوابع(الأقمار) تتبع الكواكب وتدور حولها، وهذه تتبع النجوم والتي تكون أجساماً هائلة تعرف بالمجرات التي تتكون من الملايين من النجوم، وأشهر هذه المجرات "درب التبانة" التي يتبع لها نجمنا "الشمس". وفي النظام النجمي، نجد أجراماً أخرى كالكويكبات، الشهب والنيازك تعمل وفق النظام النجمي ولا تتخلف عنه.
ولبيان اتساع رقعة الكون وعظمها، نتناول سريعاً بالحديث طريقة قياس المسافات التي تفصل بين المكونات المختلفة للكون، فالمسافة بين الأجرام الكونية يتم قياسها بوحدة "السنة الضوئية"، والتي يمكن تعريفها كالتالي "هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة (بالحسابات الأرضية)". فإذا علــم أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة300 ألف كيلومتر، فلك أن تحسب كم تعادل الوحدة من السنة الضوئية. والمسافة بين هذه الأجرام مقاسة بهذه الوحدة المعينة قد تصل في بعض الأحيان إلى الملايين من السنوات الضوئية!!، مما يقطع باتساع وعظم أقطار الكون.