النيل

الغذاءُ...وَقُودُ الحيَاة، عَلِّمْنِي كيْفَ أُنْتِجْه..

تحتفل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، بعيد ميلادها الحادي والسبعون، في السادس عشر من أكتوبر الجاري، وشعار هذا العام "المناخ يتغير، الأغذية والزراعة أيضاً"، ويجئ اختيار شعار هذا العام منسجماً مع التوقيت المهم قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، مؤتمر الأطراف 22، خلال الفترة 7- 18 نوفمبر2016 في مدينة مراكش بالمملكة المغربية.

تغير المُنَاخ (بضم الميم) ظاهرةً عالمية، تختلف بصورةٍ كاملةٍ عن تقلب المناخ. فالأولى أوسع وأشمل وهي تضم الظواهر المناخية غير المنظورة والمركبة من عناصر المناخ الحادثة خلال فتراتٍ زمانيةٍ أطول. بينما تقلبات المناخ تُعْنَي بتغيرات قراءات مؤشرات عناصر المناخ المنفردة والمنظورة والحادثة خلال فتراتٍ زمانيةٍ أقصر (اليوم، الشهر، الفصل، السنة)، مقارنةً بسابقتها.

تغير المناخ، ذو آثارٍ سلبيةٍ على الموارد الطبيعية، من انخفاضٍ لامدادات المياه ونوعيتها، وتدهور التربة، مما يؤكد على الأهمية المتزايدة لاستخدام هذه الموارد بصورةٍ مستدامة، فالتربة وإدارة الغابات يمكنهما أن يؤديا إلى الامتصاص الطبيعي لغاز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي خفض انبعاثات غازات الدفيئة. بينما الثروة الحيوانية تتسبب في حوالي ثلثي انبعاثات غازات الدفيئة الزراعية، و 78% من انبعاثات الميثان الزراعية، والعمل هنا على تحسين إدارة الإنتاج الحيواني والتخفيف من حدة هذه الانبعاثات.

ونجد أن أكثر من ثلث الأغذية المنتجة على نطاق العالم، تَضِيعُ أو تُهْدَرْ، ويشكل ذلك حوالي 1.3 مليار طن/السنة. حيث نجد انبعاث غاز الميثان CH4 من الأغذية المتعفنة، وهذا الغاز أقوى من ثاني أكسيد الكربون CO2 بنسبة 25 ضعفاً. تقدر منظمة الفاو أنه ينبغي للإنتاج الزراعي أن يرتفع بنسبة 60% تقريباً بحلول 2050 من أجل اطعام عددٍ أكبر من سكان العالم، وتغير المناخ يضع هذا الهدف والمؤشر العالمي في تحدٍ كبيرٍ، لتأثيره على الزراعة ومن ثم نظم انتاج الغذاء.

إن تدهور الغابات وإزالتها أو حتى فقدانها، يمثل 10 – 11% من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، مما يستدعي معه تمليك ملاك هذه الموارد أدوات إدارتها بصورةٍ مستدامة. وبحلول عام 2050، يتوقع هبوط صيد الأصناف الرئيسة من الأسماك بما يصل إلى 40% في المناطق المدارية، حيث اعتماد سبل العيش بشكلٍ قويٍ على الثروة السمكية، مما يعني معه توجيه الحكومات والجهات الفاعلة في القطاع الخاص بشأن حفظ وإدارة محيطات وأنهار وبحيرات العالم بصورةٍ مستدامةٍ أيضاً. العالم يهدف إلى القضاء على الجوع بحلول 2030، لذا فإن تغير المناخ تحدٍ لابد من التصدي له من أجل الاستمرار في مكافحة الجوع وتحقيق هذا الهدف العالمي، مما يتطلب معه تحسين نظم الأغذية حول العالم.

تأثر الزراعة وانتاج الغذاء في السودان بالتغير المناخي:

تعرض السودان – يواجه تحدياً – لأبرز مظاهر التغير المناخي الحادة، حيث يقع ويُحَادِدْ الصحراء الأفريقية جنوباً – أكبر الصحاري في العالم – والتي تزحف بقوةٍ تجاه الجنوب، وتكتسح مناطق السودان الشمالية والشمالية الوسطى ظاهرة الجفاف Drought، والتي قادت إلى التصحر Desertification بمظاهره المختلفة (تدهور الأراضي، فقدان الحياة النباتية والتنوع الأحيائي، فقدان التربة الفوقية، فقدان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة الحيوانية والبشرية) وهذه الأخيرة هي الأخطر والتي تواجهها النظم الزراعية المنتجة للغذاء في السودان.

كذلك، فإن فقدان السودان لغالب غطاءه من الغابات الخضراء – انفصال الجنوب -، أدى إلى زيادة الرقعة التي تغطيها ظاهرة التصحر بصورةٍ سريعةٍ ومباشرة، والتي لها تأثير مفجعٍ على المناطق التي تضربها اقتصادياً. كذلك، فإن فقدان هذا الغطاء النباتي (الغابي) أضعف من قدرة الامتصاص الطبيعي لغاز ثاني أكسيد الكربون، مما زاد معه انبعاثات غازات الدفيئة.

إن أكبر وأهم تاثيرٍ لتغير المناخ في السودان – تمتد آثاره حتى اللحظة - ، تمثل في ظاهرة الجفاف التي ضربت البلاد في ثمانينات القرن الماضي، والتي قادت بدورها إلى التأثير في نظم الزراعة المنتجة للغذاء بصورةٍ رئيسةٍ في الأجزاء الغربية من البلاد، مما قاد بدوره إلى حدوث نزوحٍ داخليٍ للمجموعات السكانية ناحية المناطق الشرقية (المدن والمجمعات السكانية الكبيرة) الأقل تأثراً من غيرها، مما خلق معه طلباً عالياً على الأغذية، تعجز هذه المناطق عن توفيره.

كل هذه السلسلة المتتابعة ذات الترتيب المنطقي، قادت إلى دخول معوناتٍ غذائيةٍ أدت نهايةً إلى تغير النمط الغذائي في السودان وتحوله عن محصول الذرة إلى القمح، مما شكل ضغطاً كبيراً ومتواصلاً على ميزانية البلاد في استيراد كمياتٍ ضخمةٍ من القمح لمقابلة الطلب المتزايد والمتنامي منه.

 

إننا في السودان، بحاجةٍ أكيدةٍ إلى بناء قدراتنا بشكلٍ كبيرٍ يدفع في اتجاه تعزيز نظم الزراعة الرئيسة المنتجة للغذاء والمتأثرة بالجفاف والتي أنهكها التصحر لتستمر في عملية الانتاج، وتعزيز حاجة المجتمعات المحلية بما يقوي نظمها البيئية لتتمكن من مواجهة موجات الجفاف والحيلولة دون بلوغ مظاهر التصحر العصية، والحاجة ماسةً إلى قراءةٍ فاحصةٍ ومتأنيةً لظاهرة التغير المناخي، درءاً وحفظاً لنظمنا الزراعية، وطلباً واستدامةً لها لتظل منتجةً مكتفيةً من الغذاء.  

المصدر: م.زراعي/عمار حسن بشير عبدالله - إدارة المعلومات - المجلس الزراعي السوداني.
elneel

ahbab

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1724 مشاهدة

النيل

elneel
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ *) ahbab6996@ hotmail.com »

درر النيل:

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,035,592