النيل

الغذاءُ...وَقُودُ الحيَاة، عَلِّمْنِي كيْفَ أُنْتِجْه..

شهد النصف الثانى من القرن العشرين بزوغ فجر التقنيات الحيوية التى عول عليها لأحداث اختراقات فى مجالي الزراعة و الطب. ومن بين هذه التقنيات انفردت تقنية هندسة التحور الوراثى بأحداث جدل و لقط شديدين ما بين قادح و مادح و منذر و مبشر. و لم يكن السودان استثناء من هذا المشهد بعد أن أعلنت الحكومة فى بداية العام االجارى 2012  تبنيها زراعة القطن (بى تي) المحور وراثيا قبل اكتمال الأطر القانونية اللازمة لتنظيم التعامل مع مثل هذه المحاصيل. عليه حاولت هذه الورقة تلمس المنافع (المرجوة) و المخاطر (المحتملة) للكائنات المحورة وراثيا ومنتجاتها و التأثيرات المترتبة على صحة الأنسان و الحيوان  و البيئة و الأثر الاقتصادى و الاجتماعى ، مركزة على محصول القطن فى تجربتي الهند و السودان .

استعرضت الورقة مجالات المنافع التى تم على أساسها ترويج  و تسويق المحاصيل المحورة وراثيا الموجودة على نطاق تجارى و كذلك المنافع المتعلقة بصناعة العقاقير و التقنيات المعملية الأخرى

و فى مجال المخاطر ركزت الورقة على تأثير زراعة القطن المحور وراثياً (Bt Cotton) على الأنعام و التربة الزراعية بالهند و كذلك الباذنجان المحور وراثياً (Bt Brinjal) و أثره على صحة الانسان. و استعرضت الورقة نتائج الدراسات المعلن عنها قبل شهرين للعالم الفرنسى سيرالينى Séralini  حول المخاطر الصحية للذرة الشامية و العالم الاسترالى هاينمانHeinemann حول الاسكات الجينى فى القمح المحور وراثيا وأثرة المتوقع على صحة الأنسان. و فى مجال الأثر البيئ تلمست الورقة باختصار التأثيرات السالبة  على الكائنات غير المستهدفة التى لا تسبب ضررا و الحشرات المفيدة و تهديد النظم البيئية للتربة.

و فى مجال التأثيرلت الاقتصادية و الاجتماعية و انعكاس ذلك على السياسة و القانون ركزت الورقة على حالات الأعسار التى أدت الى ظاهرة الانتحار و سط مزارعى القطن المحور وراثيا بالهند كما استعرضت بعض توصيات تقرير لجنه الزراعة للبرلمان الهندي الصادر فى أغسطس 2012 و توصيات اللجنة الفنية للمحكمة العليا فى الهند الصادرة فى 17 أكتوبر 2012 القاضيتان بوقف اجراء التجارب الحقلية للمحاصيل المحورة وراثيا.

و عن تجربة السودان ركزت الورقة على الوضع القانونى لهذه التجربة و التباسات نشأتها كما استعرضت باختصار الاستراتيجية البحثية لاستقدام أصناف القطن المحور للسودان و الدراسة التى بموجبها أجيزت أصناف القطن المحور فى السودان

و فى الختام طرحت الورقة السؤال التالى و حاولت الاجابة عليه: هل الأنسان بحاجة الى كائنات جديدة ؟

و خلصت الورقة الى ما يلى:

من الصعب الحديث عن منافع صريحة خالية من المخاطر لتقنيات هندسة التحوير الوراثى باستثناء صناعة العقاقير و بعض التقنيات المعملية (البصمة الوراثية وغيرها) و أنه مع مرور الوقت بدأت كفة المخاطر ترجح على كفة المنافع. ليس فقط بسبب اضافات جديدة لكفة المخاطر بل أيضا بسبب سحب منافع من الكفة الأخرى كانت قبل سنوات تستقل للترويج التجاري . و استشهدت بالقطن المحور وراثيا الذى بدأ يفقد مزاياه بخفض فاتورة المبيدات (لظهور آفات جديدة و مقاومة ديدان اللوز لسم القطن) كما بدأت تتكشف سوءته من أثار سالبة على الحيوان و التربة.

ان نتائج الدراسات الحديثة (Séralini et al., 2012; Heinemann, 2012) تعتبر جد خطيرة و يجب اخذها فى الأعتبار بقوة لأنها تعطى مؤشىرا قويا لوجود آثار و خيمة على الصحة ناتجة من تقنية التحور الوراثى لا يمكن غض الطرف عنها مثل أمراض سرطان الثدي و تلف الكلى وتليف الكبد الخ . و ليس من سبيل لنفيها الا عن طريق اجراء دراسات مماثلة تستمر لسنوات تؤكد نتائجها خلاف ما توصل اليه هؤلاء العلماء.  كما أن عقابيل استعمال تقنية الاسكات الجينى فى المحاصيل الغذائية لا يمكن التكهن بها أو التحكم فيها و هى أشبه بقنبلة عنقودية داخل جسم الكائن و أجياله القادمة

التجربة الهندية فى زراعة القطن المحور وراثيا يجب دراستها و أخذ العبرة منها. لقد استمرت هذه التجربة لمدة عشرة سنوات وفشلت وهى الآن قيد اعادة النظر بتوصية من اللجنة البرلمانية  المختصة.  فبعد ارتفاع طفيف فى السنين الأولى انخفضت الانتاجية و أرتفعت فاتورة المدخلات و على رأسها المبيدات التى قيل للمزارع أن القطن المحور سيعفيك منها (كما يقال اليوم للمزارع السودانى) و أدى الأعسار و الأحباط  الى انتحار عدد كبير من مزارعى القطن المحور هذا فضلا عن مرض و موت الحيوانات المتغذية على القطن المحور و الآثار السالبة التى تركها على التربة

 

زراعة القطن المحور وراثيا فى السودان كانت خارج مظلة القانون و اتسمت  بالتعجل الغير مبرر والغموض و عدم الشفافية. ولم تقم الدولة بالقيام بواجبها حيال مواطنيها بأجراء الدراسات الملزمة قانونا و المتعلقة بالمخاطرعلى البيئة و صحة الانسان و الحيوان و الآثار السالبة على الوضع الأجتماعى و الاقتصادى وقبل ذلك دراسة ما اذا كانت البلاد بحاجة الى تبنى زراعة القطن المحور وراثيا أم لا. كما أن الدولة لم تف بالمواثيق و العهود الدولية فى هذا الصدد و صمتت عن تجاوزات قانونية خطيرة متعلقة بدخول محاصيل محورة وراثيا بصورة غيرشرعية وزراعتها سرا بمنطقة جبال النوبة. كما لوحظ التسرع المخل فى اعداد الورقة المقدمة من قبل هيئة البحوث الزراعية لأجازة أصناف القطن  المحوربالسودان.  (تابع المرفق...)

المصدر: معروف ابراهيم محمد - بروفسير وراثة و تربية النبات - هيئة البحوث الزراعية - السودان
elneel

ahbab

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 5232 مشاهدة
نشرت فى 21 ديسمبر 2014 بواسطة elneel

النيل

elneel
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ *) ahbab6996@ hotmail.com »

درر النيل:

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,018,891