النيل

الغذاءُ...وَقُودُ الحيَاة، عَلِّمْنِي كيْفَ أُنْتِجْه..


http://www.youtube.com/watch?v=rkBGiNZ0pRI

أشهرت المنظمة الدولية شعارها العالمي ليومها الدولي: "أسعار الأغذية من التأزم إلى الاستقرار "، هذا الشعار: هل يمثل خطةً مستقبليةً ترمي المنظمة لانفاذها في مواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية؟ أم يعكس واقعاً، ترى المنظمة أنها قد حققته أو في طريقها إليه؟. على كلٍ فالشعار العالمي لَمِسَ قضيةً جوهريةً مهمة لا يختلف حولها اثنان، فتذبذب الاسعار (ارتفاعاً/انخفاضاً) يمثل هاجساً يؤرق منتجي ومستهلكي السلع الغذائية الأساسية (اللحوم، الألبان، الزيوت، السكر، الشاي، الخضروات، البقوليات، الفاكهة، المنتجات الغذائية المصنعة، ...،إلخ ) على حدٍ سواء. حيث يمثل ارتفاع أسعار هذه السلع عاملاً محدداً لركيزةٍ من ركائز الأمن الغذائي: هي الحصول على السلع الغذائية (امتلاكها بالشراء) واستخدامها والاستفادة منها، فانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك Consumer Purchasing Power لاتمكنه من اقتناء حاجته اليومية من هذه السلع الضرورية كلها أو بعضاً منها، فيُحْجِمُ عن الشراء رغماً عن توافر كمياتٍ كبيرةٍ منها واغراق الاسواق وتكدسها بها. كذلك الارتفاع في أسعار السلع الإنتاجية الاخرى، يزيد من تكاليف الانتاج لدى مُنْتِجَهَا الأولي Primary Producer ، فيضطر إلى مغادرة حلبة الانتاج ويُخْلِي ساحته مغيراً نشاطه الاقتصادي كليةً لاسيما عند تدني سعر بيع الوُحْدَة، إلى حدٍ لا يغطي تكلفة الانتاج.

يعاني السودان من ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية بوتيرةٍ متواصلة وبمعدلاتٍ كبيرة، كنتيجةٍ مركبةٍ لجملة سياساتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ وتجاريةٍ معقدة، أَفْضَتْ وقادت بقوةٍ إلى ارتفاع المؤشرات السعرية إلى حدٍ عجز معه المستهلك من مجاراتها، ذلك أنها في غالبها الأعظم زياداتٍ غير حقيقيةٍ أو مرتبطةٍ بعوامل غير منطقية. لذا فمعالجة هذه الظاهرة تتطلب جهوداً مشتركةً ومترابطةً، ترمي فيها الحكومة بنصيبٍ وافر ولا يتخلف عنها المُنْتِجْ والمستهلك.

نحن بصدد وضع خطوطٍ عريضةٍ، تحاول تشخيص الظاهرة الماثلة في السودان اليوم، وتَسْتَتْبِعُ ضمناً مجموعةً من مقترحات الحلول المُعَالِجة، لاعادة أسعار السلع الغذائية من التأزُم إلى الاستقرار كما يشير الشعار الدولي.

إن أبرز مسببات هذه الظاهرة السائدة في السودان اليوم، يمكن إجمالها إشارةً في الآتي:

  1. غياب الدور الحكومي المحوري والإرتكازي- بصورةٍ فاعلةٍ- عن هذه القضية، ويمكن عكس ملامح هذا الغياب كما يأتي:

·    اتخاذ وتَبَنِّي سياساتٍ اقتصاديةٍ غير مواتيةٍ أو مطبقةٍ بصورةٍ غير سليمة، كسياسة التحرير الاقتصادي والتي نادت كثيرٌ من الأوساط الاقتصادية والتنفيذية بضرورة مراجعة تطبيقها، على أسسٍ جديدة تَكْفُلُ التطبيق السليم أو إلغائها وتغييرها تماماً- لأن تطبيق هذه السياسة لا يعني سيادة فوضى الأسعار(كما يجري اليوم) بأي صورةٍ من الصور،

·        ونتيجةً لتلك السياسة، خروج الحكومة عن تنظيم أسواق السلع الغذائية المختلفة في السودان، وقد تمثلت مظاهر هذا الخروج في:

   النأي عن مراقبة عمل جهاز الأسعار بهذه الاسواق، وضبط هوامش الأرباح المضافة إلى التكاليف الحقيقية لانتاج هذه السلع،

   عدم انتهاج سياسة التوزيع المباشر Direct Distribution Policy للسلع الغذائية من مُنْتِجَهَا الأَوَلِي إلى مُسْتَهْلِكَهَا النهائي، عن طريق اختيار أقصر طرق ومنافذ التوزيع. مما يعمل على تقصير وقت الحصول عليها، وخفض الأسعار النهائية بالنسبة لِمُسْتَهْلِكَهَا.

·    عدم انتهاج سياساتٍ داعمةٍ ومشجعةٍ للانتاج المحلي (زراعي/حيواني)، حمايةً للمنتجين المحليين من المنافسة الخارجية، وحفزاً لهم على الاستمرار في العملية الإنتاجية،

·    غياب آلية تحديد الأسعار بصورةٍ حقيقية، على أساس تكلفة الإنتاج وهوامش الأرباح المضافة. وترك الأمر بِرُمَتِهِ للمنتجين والوسطاء والمضاربين والمنتفعين على مسار خط انتاج وتوزيع السلعة المعينة، ليضعوا ما يروق لهم ويشبع نَهَمَهُمْ من الأسعار،

·        غياب برامج حقيقيةٍ لدعم الأسرة المنتجة بصورةٍ مستمرةٍ وممنهجة،

·    فرض رسوم وضرائب على المنتجين والموزعين للسلع، عند نقل وتحريك هذه السلع من مناطق انتاجها إلى مناطق استهلاكها، وذلك في أكثر من موقع وبصورةٍ متكررة، يحمل عبئها المستهلك النهائي في صورة أسعار منتفخةٍ وبدينة!!،

·    انتهاج آليات ومعالجات أنيةٍ غير جذريةٍ لمسألة ارتفاع الأسعار، كفتح مراكز مؤقتةٍ للبيع المخفض للجمهور، تبيعه السلعة بفارقٍ سعريٍ بسيط، ثم ما تلبث أن تختفي وتتوارى!!. 

2.      اختلالات جهازي توزيع واستهلاك السلع الغذائية في الدولة، ويمكن بيانها عبر هذه المؤشرات:

ý  طول قنوات التوزيع من المنتج الأولي للسلعة وحتى مستهلكها النهائي، مما يرفع ويزيد حتماً الأسعار النهائية للمستهلك، ويخلق جيوشاً جرارةً من الوسطاء والسماسرة والمضاربين المُقْتَاتِينَ النهاشين عظم السلعة، لتصل نخرةً للمستهلك النهائي،

ý  سيطرة كبار التجار على منافذ وقنوات توزيع السلع، وتسخير المنفعة الزمانية للتسويق واستخدامهم وظيفة التخزين بصورةٍ سيئةٍ جداً، مما قاد لظهور احتكار بيع أهم السلع الغذائية - بعد خلق ندرةٍ مفتعلةٍ فيها- ومن ثم الاستفادة من عوائد اسعارها العالية، كل ذلك يحدث في مواسم الاستهلاك العالية لهذه السلع، مثال ذلك سلعة السكر في أيام شهر رمضان المعظم من كل عام،

ý     غياب الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، التي يمكنها تأدية دورٍ في عملية توزيع السلع بصورةٍ مناسبةٍ ومقبولة للمستهلك،

ý  اتخاذ إجراءاتٍ غير فاعلةٍ في صُلْبَ القضية، مثل: دعوة المستهلكين إلى مقاطعة استهلاك بعض السلع مرتفعة الأسعار كـ (اللحوم) بشعار "الغالي متروك "، وهذا لا يُجْدِي فتيلاً. لأنه عند ارتفاع الأسعار، فالمستهلك – وبصورةٍ تلقائيةٍ- يبحث عن بدائل موازيةٍ أقل سعراً. بل إن هذا الإجراء خلق واقعاً مماثلاً لِمَا في اللحوم، وأوجده في سلعٍ أخرى كالبقوليات وغيرها من السلع البديلة،

ý     غياب دور المستهلك في الرقابة على الاسعار، وفشله في خلق سياجٍ منيعٍ لزياداتها المتصاعدة.

كل هذه العوامل متضافرةً ومتكاملةً ومتداخلةً معاً، خلقت واقعاً اقتصادياً سيئاً في السودان فيما يخص ارتفاع اسعار السلع الغذائية، إذ تُصْبِحُ هذه السلع باسعارٍ غير التي أمست عليها قريباً!!، وأصبحنا بين عشيةٍ وضحاها نشهد زياداتٍ واضحةٍ وكبيرةٍ وغير مفسرة!!، في أسعار سلعٍ منتجةٍ محلياً كـ (الألبان)، ولا علاقة لها بحركة الدولار وتأثيراتها في العملة الوطنية.

كيف ندعو إلى تحقيق الأمن الغذائي؟ ونضع لذلك البرامج، ونُدَبِّجُ الأمانات، ونحشد الطاقات، ثم ... لا نَقْوَ على معالجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية!!، بينما هذا الارتفاع يضرب في الصميم عملية تحقيق الأمن الغذائي. هذا لعمري تضاربٌ في السياسات، وانعزالٌ في البرامج، وضيقٌ في الأفق الناظر والمُحَلِّلْ لما نحن فيه من قضايا وأزماتٍ اقتصادية.

إن منبراً عالمياً كيوم الأغذية العالمي، يرفع شعار محاربة الغلاء، حريٌ بنا استغلاله، ونتوقع أن يحمل الخطاب الوطني فيه للسودان، برامج واضحةٍ تتضمن معالجاتٍ وحلولٍ وسياساتٍ ترمي إلى معالجة الظاهرة في السودان، وتمثل برنامجاً واضح المعالم، تتبناه الحكومة وتقوم أجهزتها التنفيذية والرقابية بتنفيذه ومتابعته ومراقبته. هذا هو الاحتفال الحقيقي بمثل هذا اليوم في بلدنا هذي...بعيداً عن الاحتفالات الصورية والبروتوكولية، فهلا فعلنا؟...                        (بمناسبة يوم الأغذية العالمي 2011م)

المصدر: م.زراعي/ عمار حسن بشير عبدالله -اقتصادي زراعي.
elneel

ahbab

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 3162 مشاهدة
نشرت فى 11 أكتوبر 2011 بواسطة elneel

النيل

elneel
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ *) ahbab6996@ hotmail.com »

درر النيل:

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,035,608