تعريف النباتات المحورة وراثياً:
التقنية الحيوية أو بالإنجليزية (البيوتكنولوجي biotechnology ) ، هي كلمة مكونة من مقطعين : الأول bio ( حيوية ) و هي مشتقة من الكلمة اللاتينية bios وتعني الحياة، و المقطع الثاني Technology ( تقنية ) وتعني طريقة عمل الأشياء. وبناء على ذلك يمكن تعريف التقنية الحيوية على أنها استخدام النظم الحيوية لإنتاج منتج ما ، وهذا التعريف يعبر عن المفهوم التقليدي للتقنية الحيوية .
وهذا المفهوم التقليدي للتقنية الحيوية قديم جدا فقد كان القدماء منذ آلاف السنوات يعرفون أن أغذية أو مشروبات معينة كانت تتغير خواصها إذا ما تركت لبعض الوقت . وعلى سبيل المثال فالعجائن ترتفع وتزداد في الحجم ويكون لها خواص طيبة إذا ما تركت لبعض الوقت . و التحولات التي تتسبب في هذه التغيرات تعرف بالتخمر Fermentation و التخمر ينتج عن نمو وتكاثر الكائنات الدقيقة الموجودة بالأغذية . وهذه الكائنات الدقيقة تستخدم بعض المغذيات الموجودة في الأغذية ثم تنتج مواد أخرى كنواتج ثانوية في خلال عملية التخمر. فالخميرة ( yeast ) تستخدم الجلوكوز الموجود في العجين وتنتج غازثاني أكسيد الكربون و كحول الإيثانول . وغاز ثاني أكسيد الكربون الناتج يجعل الخبز مرتفعاً ومملوء بالفراغات الهوائية ( Airy ) التي تشبه الفتحات الموجودة في شمع عسل النحل، أما كحول الإيثانول فيتطاير خلال عملية التسخين ويترك نكهة ( Aroma ) مميزة في الخبز . وبنفس الفكرة فإن اللبن يتخثر ( عملية التجبن ) ويصبح حمضياً بطعم الزبادي نتيجة لنمو الباكتيريا و إنتاجها للأحماض في اللبن . ولذلك فإن المفهوم التقليدي للتقنية الحيوية يشمل صانع اللبن الزبادي الذي يحتفظ بسلالة باكتيرية مناسبة ( Bio ) ويضيفها إلى اللبن و يوفر الحرارة المناسبة وظروف التحضن المناسبة ( Technology ) ليحصل في النهاية على المنتج المطلوب .
وتعرف التقنية الحيوية بمفهومها الحديث على أنها: استخدام تقنيات ( Technologies ) على المستوى الجزيئي Molecular عادة أو على المستوى الخلوي Cellular أو على مستوى العضيات الخلوية (Organelles) وذلك لتحوير النظم الحيوية ( bio ) بهدف إنتاج أو تحسين طريقة إنتاج منتج ما أو بهدف أداء وظيفة معينة. وعادة يعتمد التحوير على المستوى الجزيئي على نقل (إضافة) جينات معينة للحصول على ناتج جديد في الخلية أو تعطيل (إسكات) جينات معينة لتأخير (أو منع) إنتاج بروتينات معينة في الخلية. وتستخدم تقنية الحامض النووي المعاد الإتحاد (recombinant DNA) لإجراء هذه التحويرات. ويعرف منتج التقنية الحيوية بإسم ( Biotech product )، كما يعرف النظام الحيوي الذي تم تحويره وراثياً بإسم Genetically Modified ( أو اختصارا GM ) أو " مهندس وراثيا ". وبناء على ذلك فالنبات المحور (المهندس) وراثيا يعرف بإسم GM Plant و الحيوان المحور وراثيا GM Animal وهكذا، وأحيانا ً تعرف الباكتيريا المحورة وراثيا بإسم Biotech Bugs. ويمكن أن نقدم تعريف مبسط للتقنية الحيوية على أنها: مجموعة من التقنيات التي تعتمد في أغلب الأحوال على المقدرة التصنيعية للخلايا الحية وعلى استخدام الحامض النووي DNA ، لتوجيه ( والتحكم في ) هذه المقدرة التصنيعية .
كما تستخدم التخميرات الميكروبية لصناعة منتجات عديدة تعتمد على الاستفادة من القدرة الإنتاجية المتنوعة للكائنات الدقيقة، منها الأحماض مثل (حامض الخليك والأحماض الأمينية)، و المذيبات العضوية مثل: الأسيتون، و الصبغات مثل صبغة: الإنديجو، و الفيتامينات مثل: فيتامين ج، و المضادات الحيوية مثل: البنسلين الذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1941 بكميات كبيرة و أنقذ حياة الآلاف من الجرحى من الجنود في الحرب العالمية الثانية و حياة الملايين من المصابين بكائنات ممرضة لم يكن من الممكن علاجها .
تبدأ الهندسة الوراثية بتحديد وعزل الجين الذي يعبر عن السمة المرغوب فيها، بمساعدة أنزيمات مختزلة. ثم يتم اختيار النبات أو الحيوان المتلقي، ويتم إدخال الجين والذي يدرج في الجينوم عن طريق النواقل مثل agro bacterium، من خلال بندقية الجينات والتي تطلق جزيئ مغطي بعنصر في بلازموديوم الحمض النووي electroporation، أو فيروس. بمجرد ان جزءا من المتلقي، لهذا الجين المدرج حديثا يصبح جزءاً من جينوم المتلقي وينظم بالطريقة نفسها كما في الجينات الأخرى.(الموسوعة)
ويمكن تعريف الكائنات والأغذية المعدلة وراثياً، تعريفاً بسيطاً كالتالي: (كائنات تغيرت فيها المادة الوراثية بطرق غير تقليدية ولا تحدث بصورة طبيعية). (زكية)
الانتشار التجاري لمنتجات النباتات المحورة وراثياً:
كانت بداية زراعة الأصناف المحسنة وراثياً على نطاق تجارى فى عام 1996 ، واستمرت المساحة المنزرعة من المحاصيل المعدلة وراثياً فى تزايد مستمر حيث بلغت فى عام 2004 حوالى 81 مليون هكتار مقابل 67.7 مليون هكتار فى عام 2003 أى بزيادة تقدر بـ 20%. وقام بزراعة هذه المساحة 8.25 مليون مزارع من 17 دولة فى عام 2004 ، مقابل 7 مليون مزارع من 18 دولة فى عام 2003 . ويمثل عدد المزارعين المستفيدين من هذه التقنية فى الدول النامية بـ 90% من إجمالى المزارعين المستخدمين لتلك التقنية. وهناك 14 دولة رئيسية فى إنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً حيث تزرع 50,000 هكتار أو يزيد، منهم تسع دول نامية وخمس دول متقدمة. وتعتبر الصين، والهند، والأرجنتين، والبرازيل، وجنوب أفريقا من أشد الدول إقبالا على زراعة المحاصيل المعدلة وراثياً. ففى عام 2004 زرع فول الصويا فى 60% (58.4 مليون هكتار) من المساحة العالمية للمحاصيل المعدلة وراثيا، ثم الذرة بنسبة 23% (19.3 مليون هكتار) ثم القطن بنسبة 11% (9 مليون هكتار)، والكانولا 6% بمساحة (4.3 مليون هكتار). والجدير بالذكر أن 72% من المساحة العالمية المنزرعة بالمحاصيل المعدلة وراثيا فى عام 2004 كانت مخصصة للمحاصيل المقاومة لمبيدات الحشائش، 19% منها للنباتات المقاومة للحشرات. وقدرت الزيادة فى الربح بزراعة الإيكر الواحد من الذرة المحورة وراثياً فى الولايات المتحدة الأمريكية بـ 60 دولار، وفى فول الصويا 15 دولار، أما فى القطن فقد زاد الربح إلى عدة مئات من الدولارات. وقدرت القيمة الإجمالية لإنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً فى عام 2003 بـ 44 بليون دولار أمريكى. وتتوقع الدراسات الاقتصادية أن يكون قيمة إنتاج الحبوب ومحاصيل الزيت والفاكهة والخضروات المعدلة وراثياً فى عام 2010 ما يقدر بـ 210 بليون دولار أمريكى. وعلاوة على ذلك جاء فى بيانات أصدرتها أخيراً منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن دخل المزارعين الفقراء السنوى فى العالم النامي ارتفع بصورة ملحوظة نتيجة استخدامهم المحاصيل المعدلة بالتكنولوجيا الحيوية.
ماذا عن الوضع في الدول العربية؟
لقد كان للعرب الفضل الكبير فى التقدم الحضارى الذى مثل البنية التحتية لمعظم العلوم الحديثة. لكن لأسباب مختلفة قادت الدول الغربية زمام التكنولوجيا والتطور وحل التخلف محل العلم والتقنية، وأصبحنا مستهلكين لما ينتجه الغرب من تقنيات قد لا نعلم عنها الكثير. ولعل الهندسة الوراثية والتى تتقدم بصورة تفوق معظم الإنجازات التى شهدتها البشرية فى العصور الماضية من أحدث التقنيات التى تتبارى فيها الدول المتقدمة ونقف نحن حيارى من أمرنا إزائها. فهل حان الوقت لأن يكون للعالم العربى مساهمة فعالة فى استغلال تقنية الهندسة الوراثية حتى لا يزداد اتساع الفجوة الحضارية الضخمة التى تباعد بيننا وبين الدول الصناعية الكبرى. ولا يمكن بحال من الأحوال إنكار الأهمية التطبيقية للهندسة الوراثية فى مجالات عدة منها الغذاء والدواء مهما حاول الكثير تضخيم الآثار الجانبية لتلك التقنية.
قد يعترض الكثير منا لمجرد الحديث عن الهندسة الوراثية ويفهمها بمعنى تغيير خلق الله والعبث فى التكوين الطبيعى للبيئة والكائنات الحية. لكن ألا تندرج الهندسة الوراثية تحت تسخير ما خلق الله لصالح البشرية؟ ألم يأمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بالتداوى من الأمراض، ويعتبر العلاج بالجينات الآن من أحدث طرق العلاج لتفادى أمراض طالما فتكت بالعديد من البشر. فلا بأس من انزعاج البعض قليلاً عن أن نظل مكبلين بأفكار قديمة أعاقت نمونا كثيراً دون أن ندرك حجم ما يواجهنا من تحديات وأن نكون منصفين مع أنفسنا. فلا بد أن نعرف أننا نعيش فى مرحلة تحدٍ علمي تقني لن تقف عند حدودنا وقد نصبح مستهلكين جيدين لتقنية لا نفقة كثيراً عنها. ولعل الدافع وراء تلك الضرورة سببين أساسيين هما:
ا) امتلاك العرب من المقومات الضرورية لتلك التقنية ما يفوق الغرب فالصحارى والأودية والسهول العربية بها من الموارد الوراثية والثروة النباتية ما يتهافت عليه الغرب، وقد قامت العديد من المؤسسات العالمية بطرق شتى وتحت مسميات مختلفة من نهب تلك الثروات لتصدر لنا منتجات محورة وراثيا من ناتج أوطاننا.
2) لقد خرج علينا بعض علماء الغرب بأفكار تمثل فكر المذاهب والفلسفات التى تخلت عن الإيمان والسمو الروحى وبعيداً عن القيم الإسلامية الهادية فى صورة نزعات علمية متطرفة كإنتاج إنسان بدون رأس ليستخدم كقطع غيار.
فلا شك أن تطبيقات الهندسة الوراثية والتقنية الحيوية تفرض على العلماء المسلمين جدية الدخول فى هذا المجال بمنظورٍ يقترن بثوابتنا وقيمنا الدينية التى ترتكز على القرآن والسنة؟ حتى يمكن أن نقطف من ثمرات هذه التقنية ونبتعد بقدر المستطاع عن المخاطر والانحرافات المحتملة ولا نترك للغرب ترتيب أمرنا بفلسفته المادية. اجل لقد وقفنا كثيراً نفكر حيارى فى تقنيات مختلفة مترددين فى الإمساك بها وما أن أدركنا أهميتها لحل بعض مشاكلنا وجدناها من الأمور المسلم بها عند الغرب الذى دخل بدوره فى إنتاج الجيل الأحدث من تلك التقنية. (عبد الحكيم)
تجارب بعض الدول النامية مع النباتات المحورة وراثياً:
من أهم التجارب الناجحة لتطبيقات التقنية البيولوجية في الدول النامية يمكن ذكر التجربة الصينية والتي كانت في محصول القطن المعدل وراثياً بادخال جينات بي تي (Bt) . وقد تم تقييم التجربة بعد أن أجريت أبحاث من الحكومة وبعض الشركات، ومن ثم توزيع القطن (Bt) إلى المزارعين عام 1997 لزراعته، حيث أصبح المحصول معروف وزادت مساحته من 2000 هكتار/السنة الأولى إلى 7000 هكتار في عام 2000م.
وكانت نتائج البحوث التي صممت لتقييم التجربة مشجعة للاستمرار في زراعته. لقد وجد أن المزارعين الذين يزرعون القطن المهندس وراثياً (Bt) قد قللوا بحوالي 80% من استعمال المبيدات مقارنةً مع أؤلئك الذين لا يزرعون القطن المهندس وراثياً (Bt)، بالإضافة إلى أن الإنتاجية عندهم كانت 3.37 طن/هكتار، مقارنةً بــ 3.18 طن/هكتار. وكانت تكلفة كيلوجرام واحد من القطن عندهم 28% أقل. كانت هناك آثار إيجابية على التنوع البيولوجي. حيث تم تسجيل وجود تنوع في الحشرات النافعة وأنواع مفيدة في الحقول المزروعة بالقطن المهندس وراثياً (Bt). وكانت هناك آثار صحية إيجابية للمزارعين الذين زرعوا القطن المهندس وراثياً (Bt)، حيث وجد فقط 5% منهم قد أصابتهم سموم مبيدات مقارنة بنسبة 22% من المزارعين الذين لم يزرعوا القطن المهندس وراثياً. ولقد كانت العائدات المالية من القطن المهندس وراثياً (Bt) لعام 1999 حوالي 334 مليون دولار/أمريكي.(عبدالمولى)
الآثار الناجمة عن المنتجات للنباتات المحورة وراثياً:
للتحدث عن الآثار المترتبة على الانتشار الواسع لمنتجات النباتات المعدلة وراثياً لا بد من ذكر الآثار الإيجابية والآثار السلبية. والحقيقة التي يجب أن لا تغفل أن تقنيات تعديل النباتات وراثياً تعتمد في الأساس على نوع الصفات والمهارات التي استخدمت في هذه التقنيات، وكذلك مكان تسويق تلك المنتجات، وهي بذلك تختلف من نبات إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى .
رغم أن العديد من هذه المنتجات المعدلة وراثياً تم تسويقها في مناطق عديدة من العالم إلا أن هنالك أسئلة كثيرة ما تزال معلقة. وتدور هذه الأسئلة حول آثار هذه المواد على النشاط الزراعي، وصحة الإنسان والحيوان والبيئة والتنوع الإحيائي والاقتصاد الدولي بشكل عام.
الآثار الإيجابية للمحصولات المعدلة وراثياً :
وهذه يمكن تلخيصها في الآتي :
1- زيادة الإنتاجية :
معظم نباتات المحاصيل المعدلة وراثياً كان الهدف منها زيادة الإنتاج وذلك بإحدى طريقتين ، أما تقليل تكاليف مدخلات الإنتاج أو زيادة إنتاج المحصول. ومن أهم الأمثلة لتقليل تكاليف الإنتاج هو نقل جينات بي تي (Bt) المأخوذة من البكتريا التي تعيش في التربة. وهذه الجينات تعطي المقاومة لكثير من الحشرات. والمحصولات عبر الجينية التي تحمل (Bt) قد زرعت في مساحات واسعة جداً حيث بلغت المساحة حوالي 7 مليون هكتار من الذرة الشامي المهندس وراثياً، ومليون هكتار من القطن الذي يحمل أيضاً جينات بي تي (Bt). حيث وجد أن تكاليف استعمال المبيدات الحشرية في البطاطس المهندس وراثياً قد تناقصت إلى%40 .
المثال الثاني لتقليل تكاليف المدخلات هو استخدام وزراعة أصناف مقاومة لمبيد الحشائش (Glyphosate) من محاصيل القطن، فول الصويا والذرة الشامي الذي تنتجه شركة مونسانتو (Monsanto).
2- تحسين الجودة :
لقد تركزت أبحاث الهندسة الوراثية في الجيل الثاني للنباتات المعدلة وراثياً لتحسين الصفات الغذائية والجودة والملاءمة لعمليات التصنيع المختلفة. لقد تمكن العلماء والباحثون من انتاج محاصيل معدلة وراثياً بها كميات إضافية من الفيتامينات والمعادن – وهذا النوع من العناصر الغذائية يحتاجها الإنسان الذي يعيش في الدول النامية، حيث يعاني من فقر الغذاء الذي يتناوله. ولكن نجاح هذه التقنيات وفائدتها ليس فقط لإنسان الدول النامية بل أيضاً سوف يستفيد إنسان الدول الغنية وذلك بحصوله على منتجات محاصيل مهندسة وراثياً خالية من الآثار الضارة بالصحة نتيجة لوجود بعض الدهون والبروتينيات بها. مثال لذلك إنتاج أصناف من فول الصويا تحتوي على دهون صحية منقوصة فيها نسبة الأحماض الدهنية.
وبالطبع تحسين الجودة والقيمة الغذائية ليس لفائدة الإنسان فقط بل يمكن أيضاً تطبيقه على تحسين الصحة والتغذية وتقليل المخاطر على صحة الحيوان.
3- زراعة أصناف نباتات في المناطق الهامشية :
عن طريق تقنيات الهندسة الوراثية يمكن إنتاج أصناف محاصيل عبر جينية تكون ملائمة لمناطق زراعة هامشية تقل فيها الوسائل الحديثة لزيادة الإنتاج. مثال لذلك إنتاج أصناف مقاومة لظروف الجفاف – ظروف غمر المياه – الملوحة والحمضية في التربة – درجات الحرارة المنخفضة والمرتفعة.
الآثار السلبية المرتبطة بمنتجات النباتات المعدلة وراثياً :
هذه المخاطر عديدة وذات أوجه مختلفة وتشتمل على آثار ضارة بصحة الإنسان والحيوان وأخرى متعلقة بالبيئة والتنوع الإحيائي. ويتأثر كل من المزارع والمستهلك وأصحاب المزارع الأخرى وكذلك الشركات المنتجة لهذه التقنيات. ويمكن تلخيص هذه الآثار السلبية في ما يأتي :
1- مخاطر غير مقصودة :
هذه هي عبارة عن الآثار الجانبية التي تكون غير مقصودة ومتوقعة، والتي يمكن حدوثها بنقل الجينات من كائن الي آخر حيث أن هذه الطرق المستعملة حالياً غير دقيقة على الرغم من أن الباحثين قد تمكنوا من تحديد الجينات المنقولة ومرغوبة، ولكنهم لم يتمكنوا من تحديد مواقعها في الكائنات المنقولة إليها، ولا عدد النسخ المنتجة من هذه الجينات بعد نقلها. من المعروف أن موقع الجين مهم جداً ذلك لأنه يتحكم في إظهار الصفات البيولوجية. وكذلك لا يستطيعون تثبيت الصفات المنقولة في الأجيال القادمة وهذا يقود بالطبع إلى آثار غير متوقعة مثل عقم النباتات – إفراز السموم وعدم الملائمة للظروف الطبيعية.
ومثال آخر هو ظهور الأثر المتعدد للجينات (Pleiotropy) وذلك لأن الباحثين في الهندسة الوراثية يعتمدون على افتراض أن كل جين منقول مسؤول عن إظهار صفة واحدة فقط وهي الصفة المرغوبة. ولكن ظاهرة الأثر المتعدد للجين هي ظاهرة عامة ومؤكدة في قوانين علم الوراثة. ولقد وجد أيضاً أن أي قطعة مـن الجين لها القابلية لتحطيم المنظومـة الوراثية للنبات المنقولة إليه مما يؤدي إلى عدم ثباتية المادة الوراثية في الأجيال القادمـة وربما تؤدي إلى ظهور كائنات حية جديدة فيروسات أو بكتريا.
2- الآثار على صحة الإنسان :
ركز المعارضون لانتشار منتجات النباتات المعدلة وراثياً على الخطر الداهم الذي يمكن ان تسببه هذه المنتجات على صحة الإنسان على الرغم من عدم ثبوت بالدليل القاطع على وجود ضرر مباشر من استعمال هذه المنتجات على الإنسان. المبرر الأول الذي يقال من قبل هؤلاء المعارضين هو أن الاستعمال الكثير لهذه المنتجات ربما يقود إلى زيادة الأمراض التي تكون مقاومة لأنواع كثيرة من المضادات الحيوية. ولكن في الفترة الأخيرة تم التغلب على هذه المشكلة باستحداث تقنيات جديدة لنقل الجينات لا تستعمل البلاستيدات الناقلة التي تحتوي على الجينات المقاومة للمضادات الحيوية.
المبرر الثاني هو أن هنالك بعض الناس تكون له حساسية معينة لبعض المأكولات وذلك لاحتوائها على مواد مسببة للحساسية، يمكن أن تنقل هذه الجينات المسؤولة عن الحساسية إلى محاصيل أخرى عبر الهندسة الوراثية. وعندما يتناول الإنسان منتجات المحاصيل المهندسة وراثياً تحدث له هذه الحساسية.
3- المخاطر على صحة الحيوان :
يمكن ذكر المبررات التي ذكرت في المضار الصحية على الإنسان لتناوله منتجات نباتات معدلة وراثياً بتحديد نوعية المخاطر على صحة الحيوان نتيجة لتناوله أعلاف نباتات معدلة وراثياً. وذلك مثل محصول الذرة الشامي وفول الصويا .
وتتلخص سلامة الأطعمة المنتجة من نباتات محاصيل معدلة وراثياً بذكر التساؤلات الآتية ومحاولة الإجابة عليها وهي :
(i إمكانية وجود مادة سامة في الطعام .
(ii إمكانية ظهور طفيليات جديدة .
(iii تقليل القيمة الغذائية للطعام .
(iv ظهور حساسية للإنسان نتيجة تناوله تلك الأطعمة .
(v نقل المقاومة للمضادات الحيوية للإنسان .
(vi تغيرات غير متوقعة في جهاز المناعة والتأثيرات الوراثية نتيجة لإدخال جينات جديدة وغريبة.
ونتيجة لهذه المخاطر المذكورة أعلاه ازداد الطلب على المنتجات من المحاصيل غير المعدلة وراثياً أو المنتجة عضويا (Organically grown) من قبل المستهلكين .
4. الآثار المتعلقة بالبيئة :
من أهم القضايا المثارة حول المنتجات لنباتات محورة وراثياً هو أثرها البيئي طويل الأمد، وهذا الأثر يمكن أن يظهر في أشكال مختلفة ويسبب مضاراً عديدة ومدمرة للتوازن والتنوع الإحيائي ويمكن تلخيص تلك الآثار في الآتي :
أ- هجرة الجينات إلى المحاصيل الأخرى :
هذه الجينات التي تهاجر من النباتات المهندسة وراثياً إلى الأنواع البرية سوف تعطيها القابلية أن تتمتع بالصفات التي تزيد من قدرتها على الملاءمة، محولة إياها إلى حشائش خارقة (Super weeds) لا يمكن مكافحتها بالمبيدات الحشائشية. وتختلف القابلية لانتقال وقفز بعض الجينات من النباتات المعدلة وراثياً إلى أقاربها البرية. مثلاً في آسيا وأفريقيا سوف تكون هنالك احتمالات قليلة لانتقال جين المقاومة لمبيد الحشائش من الذرة الشامي إلى الأقارب البرية, وذلك لان الذرة الشامي ليس من المحاصيل التي نشأت في تلك المناطق، حيث ينعدم وجود أقارب له. أما في منطقة المكسيك أو أمريكا الوسطي فأن الاحتمال سيكون كبيراً لهجرة الجينات, وذلك لأن الأصناف البرية من الذرة الشامي لا زالت تنمو في تلك المناطق.
ونسبة لأن هجرة الجينات (Gene flow) سوف تؤثر على المزارعين، ومكافحة الآفات وتسويق المحصول ومصداقية التقنية، يتحتم إجراء أبحاث كثيرة لمعرفة واختبار الظروف التي يكون أثر انتقال الجينات من النباتات المهندسة وراثياً إلى المحاصيل الأخرى أثراً معنوياً.
ب- تشجيع المقاومة للمبيدات والآفات:
إدخال جينات بي تي (Bt) في النباتات المعدلة وراثياً يؤدي الي تشجيع وتنمية الصفات المقاومة لمبيدات (Bt) الآفات الضارة. حيث يصبح ظهور آفات مقاومة لأثر جينات بي تي (Bt) سبباً في التقليل من الفوائد المادية الكبيرة من وجود النباتات المهندسة وراثياً بإدخال جينات بي تي.
ج- الأثر الضار على كائنات مفيدة:
لقد وجد أن النباتات المعدلة وراثياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لها آثار ضارة بالكائنات الأخرى. حيث وجد أن المحاصيل المعدلة وراثياً بإدخال جينات بي تي (Bt) تفرز سموما بكميات كافية جداً لقتل كائنات دقيقة داخل التربة. لقد وجد أيضا أن بعض الحشرات التي أطعمت حشرات متغذية على بطاطس مهندسة وراثياً قد وضعت بيضاً أقل من تلك التي تغذت على حشرات تغذت على بطاطس غير معدلة وراثيا.
كذلك اكتشف الباحثون في جامعة أركنساس في الولايات المتحدة أن هنالك إعاقة لنمو الجذور وتكوين العقد البكترية والقـدرة على تثبيت الأزوت في بعض الأصناف المعدلة وراثياً لمقاومة المبيدات الحشائشية، وذلك لأن البكتريا المسؤولة عن تثبيت الأزوت لها حساسية بالنسبة لمبيد الحشائش.
د- التقليل من التنوع الوراثي:
نسبة لأن العدد القليل من الشركات الكبرى سوف تحتكر سوق التقنية الحيوية سوف تتجه إلى تبسيط وتسهيل الأنظمة الزراعية التي تكون بالتالي ملائمة للمحاصيل المعدلة وراثياً بحيث يقل عدد المحاصيل المزروعـة وكذلك يقل التباين الوراثي بينها. بالإضافة إلى ذلك فان حفظ البذور الذي يساعد في حفظ التنوع الوراثي سوف يكـون محصوراً ومقصوراً على المحاصيل المعدلـة وراثاً فقط.
بالإضافة إلى العوامل الأخرى المؤدية للتآكل الوراثي للنباتات (استبدال الأصناف المحلية ذات التنوع الوراثي الوفير بأصناف أخرى محسنة قليلة العدد)، فأن الأصناف المعدلة وراثياً تمثل تهديداً حقيقياً للنباتات البرية خصوصا داخل مراكز التنوع حيث يمكنها منافسة الأنواع البرية أو تنقل إليها المورثات.
هـ- تشجيع المقاومة لمبيدات الحشائش :
من أهم الصفات التي تم نقلها عن طريق الهندسة الوراثية هي صفة مقاومة مبيدات الحشائش. بحيث يتمكن المزارع مـن رش حقوله بالمبيد فتموت الحشائش دون أن يتأثر المحصول المعدل وراثياً.
هنالك تخوف أن تتهاجن النباتات المحورة وراثياً مع أقاربها من الحشائش البرية فتنقل إليها صفة مقاومة المبيد. مثلا الدخن والشوفان يتهاجنان مع الشوفان البري. وقد تبقي بالحقل بعد الحصاد بقايا من المبيد تؤثر فيما يزرع بعده من محاصيل. وقد تبقي أيضا بعد الحصاد نباتات معدلة وراثياً لتظهر كحشائش مقاومة فيما يعقبها من محاصيل كما يحدث مع الشلجم المهندس وراثياً إذا تبقي في حقول القمح بعده، ليقاوم كل المبيدات الحشائشية التي تستخدم على القمح. والأرجح أن يتسبب إنتاج المحاصيل المحورة وراثياً لمقاومة مبيدات الحشائش في زيادة قدرة ما سينثر من هذه المبيدات في البيئة ، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن تطور الحشائش مقاومة ضدها أو إلى انقراض بعض الأنواع النباتية البرية ، إضافة لزيادة أعداد من يتسممون بالمبيدات في الريف. (الزمك)
منذ عام 1996م بدأت تلك المنتجات الغذائية المعدلة وراثيا و خاصة النباتية منها، تغزو الأسواق، و كأى منتج جديد أو تكنولوجيا حديثة، قوبل بالمخاوف و أحيانا بالرفض و بكثير من القلق مما يمكن أن تجلبه تلك الأغذية من مخاطر. و هنا تدخلت الدول و تشريعاتها لتحكم تداول تلك المنتجات، و كانت البداية من أكبر دولة منتجة للأغذية المهندسة وراثيا على مستوى العالم، و هى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت هيئة الغذاء و الدواء الأمريكية (FDA) أنها لا تعتبر الأغذية المعدلة وراثيا تختلف عن الأغذية المنتجة بالطرق التقليدية و إن تطلب فقط كتابة البيانات الإيضاحية فى حال إمكانية أن تشكل هذه المنتجات مخاطر واضحة و محددة مثل الحساسية. و فى يناير 2001م أعتمد مندوبو 130 دولة فى منتريال، بروتوكولا حول الأمان الحيوى و تنظيم الصادرات للمنتجات المعدلة وراثيا. و رغم هذا، يعارض العديد من المجموعات العلمية و الشعبية تطوير و إنتاج الأغذية المهندسة وراثيا، و يحذرون من مخاطرها، بينما يدافع خبراء و مديرو شركات التكنولوجيا الحيوية عن مميزاتها و سلامتها، و يؤكدون انها تمثل رمز المستقبل. و بالرغم من هذه الفوائد، فإن زراعة منتجات التكنولوجيا الحيوية لا تزال تحت الحصار لاسباب إيجابية و سلبية معا فى بعض الدول، فقد قام الناشطون بحرق حقول و تفجير مختبرات مثل ما تقوم به جماعات السلام الأخضر (Greenpeace)، و بعض جمعيات حماية المستهلك و جمعيات الحفاظ على البيئة حول العالم. و لاتزال بعض دول فى أوربا و أسيا ترفض التزود بالأغذية الأميركية المهندسة وراثيا. أما اللافت للنظر هو تبنى دول العالم النامى لتلك التكنولوجيا، فمثلا بدأت حقول محاصيل الـGM تزدهر فى دول العالم النامى كالصين و الهند و المكسيك و الأرجنتين و جنوب أفريقيا و البرازيل و غيرها. و لعل من الضرورى تذكير القارئ بأن دول العالم المتقدم، لديها وفرة فى الإنتاج فى غالبية المحاصيل الغذائية، و لذا فهى ليست بحاجة ماسة للهندسة الوراثية مثلما هو الحال فى دول العالم النامى. (زكى)
- الرؤى المستقبلية حول منتجات النباتات المحورة وراثياً:
هنالك جدل كبير واختلاف في وجهات النظر حول أهمية الآثار المترتبة على تناول المنتجات المعدلة وراثياً. وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية بعض الأحيان وذلك لغياب الأبحاث الحقيقية العلمية المتكاملة حول هذه المنتجات المعدلة وراثياً، هنالك بعض الحقائق التي يمكن ذكرها حول الرؤى المستقبلية الخاصة بالمنتجات المعدلة وراثياً، وهي:
ü لا يمكن إنكار دور الهندسة الوراثية في خلق أصناف جديدة ذات أهمية اقتصادية. وذلك بعد أن توصل العلماء عن طريق الهندسة الوراثية لتحديد العديد من الجينات المحسنة لكثير من أصناف المحاصيل، إذاً من غير الحكمة اللجوء إلى الطرق التقليدية لتربية النبات والتي تحتاج وقتاً طويلاً لتحسين تلك الصفات.
ü بعد إمكانية نقل الجينات عن طريق الهندسة الوراثية من نوعٍ إلى آخر، فتح الطريق لخلق كائناتٍ تختلف تماماً عن الكائنات الموجودة في الطبيعة. ولكن لصعوبة تحديد الصفات و الآثار لهذا المنتج الجديد على الانسان والحيوان والبيئة، يجب تقييم المضار قبل إجازة المنتج الجديد. حيث يجب أن يتم الاختبار على مستوى الحقل والذي فقط يكون لفائدة المزارع.
ü يجب أن تناقش السياسات الخاصة بالمنتجات المعدلة وراثياً علناً وبنزاهةٍ واضحةٍ وشفافية. حيث أن أساليب الدعاية التي مارستها الشركات لتسويق منتجاتها من المحاصيل المعدلة وراثياً، إدى إلى نتائج عكسية وذلك لزيادة الشكوك من قبل المستهلكين حول هذه المنتجات وما تحمله من أضرارٍ خفيةٍ غير معلنة.
ü القرار حول مستقبل هذه المنتجات المعدلة وراثياً، يجب أن يعتمد على معلوماتٍ علميةٍ قوية وليست نصف حقائق أو إدعاءاتٍ أو عواطف جياشة. ومن أكبر المشاكل في هذا الجدل المحتدم، هو أن المعارضين يستعملون في حملتهم معلوماتٍ منتقاةٍ وفي غياب المعرفة الكاملة يحاولون دعم موقفهم بمعلوماتٍ غير حقيقية.
وفي المقابل، لتحسين صورة هذه المنتجات المعدلة وراثياً، لجأت شركات التقنية البيولوجية لتضخيم الفوائد التي يمكن كسبها وفي الوقت ذاته قللت من الأضرار التي تترتب على استخدام تلك التقنيات البيولوجية. أما المعارضون فقد قاموا بإنكار الفوائد الممكنة وضخموا من الأضرار المترتبة على استخدام تلك المنتجات المعدلة وراثياً.
وللوصول إلى حلٍ لهذا الجدل، يجب أن يكون هناك نقاش جدي وعلمي ومؤسسي يعتمد على معلومات وحقائق علمية بدلاً عن الجدل العاطفي السياسي. (عبدالمولى)
المواقف الشرعية والأخلاقية من منتجات النباتات المحورة وراثياً:
تم في الدورة الخامسة عشرة لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي المنعقد في شهر رجب 1419 هــ برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، اتخاذ عدد من القرارات حول موضوع الهندسة الوراثية ومنها:
-
- يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث ضرر – ولو على المدى البعيد – بالإنسان أو الحيوان أو البيئة.
- لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة والعدوانية وفي كل ما يحرم شرعاً.
- الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه أو تخفيف ضرره بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر أكبر.
- لا يجوز استخدام أياً من أدوات الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الانسان بدعوى تحسين السلالة البشرية.
- لا يجوز إجراء أي بحث أو القيام بأي معالجة أو تشخيص يتعلق بموروثات الانسان ، إلا بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة وكذلك بعد الحصول على الموافقة المطلوبة شرعاً مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الانسان.
- يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرها من المواد المستفيدة من علم الهندسة الوراثية ، إلى بيان تركيب هذه المواد ليتم التعامل والاستعمال على بينة حذراً مما يضر أو يحرم شرعاً. (الغامدي، السعدون)
نتائج وتوصيات الدراسة:
- التقليل إلى الحد الأدنى من تناول الأطعمة المصنعة، وأن ننتبه إلى السلع الغذائية التي نشتريها