النيل

الغذاءُ...وَقُودُ الحيَاة، عَلِّمْنِي كيْفَ أُنْتِجْه..

بقسم الاقتصاد الزراعي،جامعة كردفان، كنا نناقش العوامل الاقتصادية وتاثيرها على النشاط البشري، وتوقفنا حينها عند عامل الزمن ودار حديث طويل عن هذا العامل ،واستقر النقاش على أن الزمن عاملُ مرتبطُ بالعمل .واستدللت يومها على أهمية الزمن وتاثيره في النشاط الاقتصادي وحركة البشر بذكر قبيلة قريش ذات النشاط التجاري المعروف بين قبائل العرب بمكانتها المرموقة في هذا المجال ، والتي اشتهرت برحلتيها الى الشام واليمن، اللتان جاء ذكرهما في القرآن الكريم مرتبطتان بالزمن، إذ أن هذه كيفت حركتها الاقتصادية "التجارة" وفقاً لعامل الزمن : فكانت في أشهر الشتاء البارد تتجه بتجارتها صوب اليمن حيث ترتفع الحرارة وفي أشهر الصيف الحار تتجه صوب الشام حيث تنخفض درجة الحرارة.

أى أن عامل الزمن ظل مرتبطاً تمام الإرتباط بعنصر العمل، ومؤثرُ فيه الى جانب عوامل أخري يمكن سردها، ففى وحدة الزمن (ساعة/ يوم) يمكن حساب وتقدير Estimation كثير من بنود العملية الإنتاجية ، ومن ثم وضع الميزانيات ، وتغطية التكاليف، فالعمل المنجز في ساعةٍ مثلاً يمكن مضاعفته كمياً في وحدتي الزمن مع مراعاة قوانين العمل، ونوعية الإنتاج وذلك في القطاعات الإنتاجية كالمشروعات الزراعية والصناعية والخدمية والتي يمكن فيها حساب الإنتاج مرتبطاً بالزمن، فمراعاة العامل وبيئة العمل من أهم عوامل النجاح في زيادة الإنتاج. وهذه البيئة تشمل كافة المعطيات المحيطة بالعامل في الوحدة المعنية بدءاً من تهيئة وصول العامل الى موقع العمل ، وتغذية العامل ، وإجراءات السلامة أثناء تأدية العمل ، وزيادة وعي العامل بعمله ، وإضاءة وتهوية مكان العمل وعدد ساعات العمل.

وتهيئة وصول العامل الى موقع العمل وحضوره في الزمن المحدد، وبداية عملية الإنتاج عمليتان متلازمتان لزيادة الانتاج في الوحدة الانتاجية، أما إنعزالهما فلايزيد في الإنتاج ، ونحن قد بدأنا في ضبط حضور العامل الى عمله، بتطبيق مشروع البكور في الحضور وهو مشروع يهئ بيئةً طيبةً للعامل في ميدان عمله، إذ يمكن تجنب أداء عمل في وقت ذي تأثير سلبي على أداء العامل وتأديته في وقتٍ إيجابي من حيث بيئة العمل، حضور العامل والاستعداد للعمل. والبكور لمكان العمل من أصل نشأتنا وتراثنا وموروثاتنا ، فقد جُعِلَتِ البركة كل البركة في البكور فقد دعا الرسول الكريم بالبركة لأمته في بكورها، ولكن هذا البكور مسألةُ ذاتيةٌ من العامل يقوم بها تلقائياً وتسهم وبقدر وافرٍ في تهيئته التهيئة  المناسبة لأداء عمله. وهو إن إرتبط بأى عامل آخر أو لازمته عوامل أخري سلبت منه ميزته، وإن كان متحققاً وواقعاً وكانت سجلات الحضور بمؤسساتنا وهيئاتنا ودورنا الحكومية مما يسر المراقب. إن إرتباط البكور الي العمل بالإكراه والحمل القسري عليه يسلبه ميزته، فالمزارع مثلاً يحضر الى حقلة باكراً عن طيب نفسٍ غير مكره او محمول ، ويؤدي عمله بانشراحٍ وتلقائيةٍ كاملة، وهو يحس ذلك في انشراح نفسه بتأدية عملها كاملاً وفي وقته المطلوب .

ولا أنسي مسالةً أخري ، إرتبطت ببداية تجربة مشروع البكور إلى مكان العمل، ألا وهي تقديم الساعة – وهي أداة قياس الزمن- ساعةً كاملةً بتحريك عقاربها، مما استدعي معه إيجاد توقيتٍ جديدٍ بالسودان منفك عن ما حوله من العالم، وخلق ازدواجيةً في تقدير الوقت المحلي. وكان من الأجدي والأفضل تقديم وقت العمل دون "التوقيت" نفسه، لأن التوقيت وضعُ عالميُ مرتبطُ بحركة الشمس، بينما وقت العمل شأنٌ داخليٌ. والتوقيت يخضع لقواعد وقوانين علمية وفلكية يصعب تعديلها، وحقائق ثابتة لاتقبل الجدل.

فتقديم الزمن ساعةً، يخالف القواعد والقوانين والمعطيات العلمية، وأهم هذه المعطيات: حركة الشمس الظاهرية حول الارض، الناتجة عن دوران الأرض حول محورها المائل في فترةٍ زمنيةٍ تقارب الـ24 ساعة. والأرض منضغطةٌ عند القطبين ، منبعجةٌ عند خط الإستواء، مما يعني وجود عددٍ أكبر من خطوط الطول يزيد عن دوائر العرض. وخطوط الطول ودوائر العرض هما النظامان المعمول بهما عالمياً في تحديد موقع أية نقطة على ظهر الأرض .وخطوط الطول هي: خطوطٌ وهميةٌ غير كاملة الاستدارة تختص بحساب الزمن على وجه الأرض وتمتد شمالاً وجنوباً بين القطبين، أما  دوائر العرض فهي : دوائر وهمية كاملة الاستدارة تختص بتحديد حالة المناخ على وجه الأرض اعتماداً على حركة الشمس، وتتوزع شمالاً وجنوباً لدائرة العرض الكبري المعروفة بخط الاستواء "خط صفر". وتقطع الشمس-بدوران الأرض حول محورها – 360 درجةً طوليةً في 24 ساعة، وتقطع الدرجة الطولية الواحدة "1" في أربع دقائق. وفي الساعة الواحدة تقطع الشمس 15 درجةً طولية ، وبما أن الشمس – ظاهرياً- تتحرك من الشرق الى الغرب، كان التوقيت في أية منطقةٍ يختلف عن الأخري بحسب موقعهما من نقطة ثابتة، وهي نقطة قياس " خط طول غرينتش خط صفر" وبحكم موقعهما شرقاً وغرباً.

وبتقديمنا للتوقيت ساعةً، نكون قد سوينا بيننا ومناطق أخري تقع الى الشرق منا على بعد 15 درجة طولية، وتضاعف التوقيت بيننا ومناطق أخري تقع الى الغرب منا على بعد 15 درجة طولية. وهذا يناقض في واقعه الحقائق العلمية الماثلة في حسابات الزمن على وجه الأرض بخطوط الطول، ونكون بالتالي خرجنا من توقيتنا "خط الطول المحدد" ودخلنا في توقيت غيرنا. وأخللنا بالعلاقة:_"أن كل نقطتين على وجه الأرض تبعدان عن بعضهما 15 درجةً طوليةً، يجب أن يكون فرق الزمن بينهما ساعةً كاملة".

وخلاصة، إن تقديم التوقيت ولارتباطه بالشمس لا يُمَكِّنُ من إعطاء وقتٍ حقيقي، لأنه إذا كانت الشمس تشرق عندنا "وبالتوقيت الجديد" الســاعة 7:20، فهذا حقيقةً ليس توقيتنا وإنما توقيت المناطق الواقعة الى الغرب منا بمسافة 15 درجةً طولية.

أضف الى ذلك، ما أحدثه التغير في التوقيت من خللٍ في حركة المجتمع، وأداء الشعائر التعبدية " الصلوات" وأَثَّرَ تاثيراً بليغاً في الوقت بين الصبح وشروق الشمس، إذ كاد أن يعدمه بالكلية، مما ألغي كثيراً من البرامج التي كانت تعمر بها المساجد في هذا الوقت الحي.

إنني أنادي ومن منطلق هذه الحقائق، بالعودة الى توقيتنا الأول وتثبيت وتدعيم وتقوية تجربة تقديم وقت العمل في مؤسساتنا ودورنا المختلفة بآليةٍ أخري غير تغيير التوقيت أي الساعة، لما للبكور من أثرٍ إيجابيٍ في دعم ودفع قوتنا الإقتصادية الى الأمام.

*هذا المقال نشر بصحيفة الرأي العام السودانية، عام 2000م، عقب تطبيق تقديم عقارب الساعة بالسودان.                   

 

وبالله التوفيق وهو من وراء القصد

المصدر: بقلم/م.ز. عمار حسن بشير عبدالله
elneel

ahbab

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 4279 مشاهدة
نشرت فى 24 نوفمبر 2010 بواسطة elneel

النيل

elneel
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ *) ahbab6996@ hotmail.com »

درر النيل:

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

951,407