النيل

الغذاءُ...وَقُودُ الحيَاة، عَلِّمْنِي كيْفَ أُنْتِجْه..

توقفت عند مقالٍ خطه الأستاذ الطيب مصطفى  معقباً على مقالٍ للبروفيسور محمد سعيد حربي حول "الازدواجية في شأن وزارة الزراعة ومشروع النهضة الزراعية والتداخل والاشتباك في اختصاصات كلٍّ من تلكم الجهتين"، ونشرته صحيفة الإنتباهة الغراء في عددها الصادر اليوم الأحد الأول من يوليو 2012م. وجاء تعقيبه بين يدي الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة السودانية في مواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي تجتاح البلاد هذه الايام.

وأقول هنا، تعتبر الأزمة الاقتصادية الحالية في الاقتصاد السوداني نتيجةً بديهيةً للسياسات الاقتصادية غير الموفقة والتي ظلت تنتهجها الإدارة الاقتصادية في الحكومة والمتمثلة في اهمال القطاعات الإنتاجية الحقيقية في الاقتصاد وتركيزها على النفط كموردٍ سريعٍ يرفد الخزانة العامة للدولة، وانتهاج سياسة التحرير الاقتصادي دون اتخاذ الاجراءات المناسبة والتي تحول دون الآثار السالبة لهذه السياسة والمواطن البسيط، كما أن غياب الحكومة نتيجةً لذلك عن دورها الرقابي الأصيل للسوق ومتابعتها لآلية توزيع السلع الغذائية الاستهلاكية الأساسية للمواطن جعل أسعار هذه السلع في قفزٍ مستمرٍ بزانةٍ لا تعرف الإنحناء أو الإلتواء!! حتى أضحت السلع بأسعارٍ غير تلك التي باتت عليها. وبعد انفصال الجنوب لم تحسن الحكومة قراءة الواقع الاقتصادي الجديد وذهاب الجنوب بكمٍ مقدرٍ من موارد السودان الطبيعية، حتى يكون تقديرها وتخطيطها لميزانياتها مبنياً على بياناتٍ حقيقيةٍ، فكان نتيجة ذلك أن سقطت الميزانية المبنية على تقديراتٍ غير موفقةٍ كرسوم عبور بترول الجنوب!!! كيف تبني دولةً ميزانيتها المالية العامة - وهي المؤشر الاقتصادي الأول لمستقبل أداءها الاقتصادي- على عوامل سياسيةٍ خارج سيطرتها؟؟!! (امتناع حكومة الجنوب ضخ النفط)، ضف إلى ذلك الإصرار الحكومي على إنفاذ حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة - والتي يمثل رفع الدعم التدريجي عن المحروقات ركناً ركيزاً فيها – بالكيفية المهزلة التي شهدتها الهيئة البرلمانية القومية في تجاوزٍ صريحٍ بائنٍ وواضحٍ للسلطة التشريعية وجعلها تَبْصُمُ على القرارات التي يتم طبخها داخل أروقة الحزب الحاكم، وذلك بعذر مخافة الاستفادة من فرق أسعار الوقود قبل وبعد رفع الدعم. في خطوةٍ اعتبرها اعترافاً صريحاً من الحكومة عن عجزها في ضبط حركة الأسواق والسلع عبر التجار- وهنا لا نعمم - وتحكمهم في أقوات العباد والبلاد وفقٍ رؤيةٍ وهوىً لا يستند إلى قاعدةٍ اقتصاديةٍ أو عرفٍ متبعٍ اللهم إلا اللهث السريع من أجل الاكتناز والاغتناء.

لا نقول إن الإنقاذ كلها سلبيات. لا يقول بذلك إلا مكابر تنكر عينيه الإنجازات من رمد!!! ، ولكن ما ذكرنا آنفاً في المجال الاقتصادي كان يستدعي التحرك العاجل حتى لا يصبح حالنا يغني عن سؤالنا، كذلك فإن من أكبر ما يؤخذ على الإنقاذ في سنيها الأخيرة غضها الطرف عن فسادٍ ظاهرٍ في بعض الأجهزة التنفيذية بالدولة والتصرف حيال ذلك بـــ "فقه السترة" دون نصرة الظالم والمظلوم معاً. كذلك اتجاهها نحو موارد النفط الناضبة دون أخذ العبرة من: قصة البترول وانفصال الجنوب، ودون الإلتفات إلى الزراعة بحسبانها المخرج الوحيد للبلاد مما هي فيه من الضوائق وإن طال الزمن.

وتعتبر حزمة الإجراءات الأخيرة فيما يتعلق بخفض الانفاق الحكومي وهيكلة الحكومة المركزية وحكومات الولايات، والتي أعلنها فخامة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير اتجاهاً سليماً وسريعاً في اتجاه التخفيف من حدة الأزمة دون معالجتها بصورةٍ نهائية، لأنه لا ضمان لتنفيذ هذه الحزمة كما جاءت، وربما مُورِسَ الالتفاف على هذه المراسيم وإفراغها عن مضمونها.

نعود لمقال الأستاذ الطيب مصطفى، ونحن نرمي لتقليص الجهاز الحكومي وتخفيضه بإلغاء ودمج بعض الوزارات في المركز والولايات، فإني أضم صوتي له تماماً في إتجاه إلغاء أجسامٍ كــ "النهضة الزراعية" وعودة كافة الصلاحيات لوزارة الزراعة الإتحادية بحسبانها المسؤول الأول عن الزراعة في السودان، والعمل على إدماج وزارات الزراعة والثروة الحيوانية والري في وزارةٍ واحدةٍ بوزيرٍ إتحاديٍ واحدٍ واتباع نظام "وكيل الزراعة لـ..." شئون الزراعة، الثروة الحيوانية، الري. ذلك أن كافة الأنشطة التي تقوم بها النهضة الزراعية والميزانيات المالية المصروفة عليها هي من صميم اختصاصات وزارة الزراعة وصلاحياتها المسلوبة عنها الآن، فأضحت هذه الوزارات الثلاث بلا حراك وبلا نتاج، إذ كيف يُعْطِي من سُلِبَتْ صلاحياته لصالح الغير!!؟؟، بغير هاتين الخطوتين:إرجاع الصلاحيات، والإدماج – لا نكذب على أنفسنا - فلن تقوم للزراعة قائمةٌ ولن يرجى منها في سبيل حل الإشكال الاقتصادي الماثل اليوم.

وقبل أن أختم، فإن من أخطر العوامل المهددة لحزمة الإجراءات الخاصة بتقليل الإنفاق الحكومي وتخفيض الجهاز الحكومي بالدمج والإلغاء: الأسلوب الذي كان متبعاً في ترضية الأفراد والجماعات، فربما تنشأ وزارة أو جسمٍ "قوميٍ، أعلى، عليا" فقط من اجل ترضية زيدٌ أو عبيد. كذلك فإن تجميد بعض التنفيذيين في كراسي الحكم لفترةٍ زادت عن العشرين عاماً!!، والإبقاء على وزاراتٍ جديدةٍ ناشئةٍ كــ "النفط، المعادن، السياحة، البيئة،...إلخ" كوزاراتٍ منفصلةٍ مستقلةٍ كانت في الماضي تضمها وزارةٌ واحدةٌ لا غير كالــ "الطاقة والتعدين" مثلاً.

أخيراً، أعتز بمقال باشمهندس الطيب مصطفى بعموده المقروء الراتب، كونه تناول قضيةً محوريةً أساسية حريٌ بالقائمين على أمر هذه البلاد النظر إليها والوقوف عندها، وأنها جاءت عبر الصحافة المقروءة والتي من سلبيات نظام الإنقاذ أن عمل على تطويق الإعلام والتضييق عليه وجعله محايداً ناقلاً للخبر فقط إن لم يستطع ان يلغيه أو يزيله!!. كل التجلة والتقدير للإعلام والإعلاميين الذين يعملون على نشر الحقائق كما هي دون تلوينٍ أو تزيين، وتناول قضايا البلاد بكل شفافيةٍ وصراحة، هذا هو الإعلام الذي نريد...فإلى الأمام في أداء رسالتكم- سلطتنا الرابعة- رغم القيود والمقعدات.

المصدر: م.زراعي: عمار حسن بشير عبدالله - وزارة الزراعة الإتحادية

التحميلات المرفقة

elneel

ahbab

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 940 مشاهدة

النيل

elneel
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ *) ahbab6996@ hotmail.com »

درر النيل:

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

946,305