تحتفل الأسرة الدولية في مثل هذا اليوم (5 يونيو) من كل عام باليوم العالمي للبيئة، والذي يجئ شعاره هذا العام "الغابات: الطبيعة في خدمتك". من هنا يجمل الوقوف عند اختيار هذا الشعار والدلالات الرامية إليه، وما ينتظر تحقيقه في سبيل بيئة مستدامة معطاءة وصحيحة، تعطي وتهب الجميع بقدر ما يبذلون في سبيلها من جهدٍ للمحافظة عليها وإدارتها بصورةٍ رشيدةٍ وكفؤة.
الغابات الطبيعية من أهم الموارد الأرضية في عالمنا، وهي تضفو على كوكبنا وتكسوه حلةً خضراء زاهية تعمل ضمن منظومةٍ طبيعيةٍ في سبيل حماية المجموعات المختلفة والمتباينة التي تعيش عليه، وتتفاعل وتأخذ وتعطي مع المكونات البيئية الأخرى في تناغمٍ بديعٍ وأداءٍ سلسٍ رصين، ينم عن عظمة الخالق وكمال الإبداع ونهاية التدبير وقوة الإرتباط وتبادل المنافع المختلفة بينها.
فمن المعروف، أن الأرض تحيطها هالةً طبيعيةً من طبقة الأوزون (O3)، تعمل على حمايتها من خطر الإشعاعات الكونية الضارة القادمة من الكون الخارجي والمسببة للعديد من الأمراض إن هي اخترقت هذه الطبقة وخلصت إلى الكائنات التي تعيش على سطح الأرض. هذه الطبقة تتعرض لما يعرف بــ "ثقب الأوزون" نتيجة العديد من العوامل بعضها طبيعي والآخر من صنع الإنسان وما اغترفته يداه. وهذه الظاهرة الكونية ذات نتائج واضحة وبينة أضحت مثار اهتمام علماء الأرض، فارتفاع درجة الحرارة فوق المعدلات الطبيعية وذوبان كتل الجليد الهائلة في المناطق القطبية والباردة أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر مما عمل على تهديد الجزر الساحلية الصغيرة والأراضي المنخفضة، كذلك فإن تبدل وتغير المناخات الأرضية باتساع الرقعة المدارية على حساب المناخات المتاخمة لها شمالاً وجنوباً مما أثر على الإنتاج الزراعي، يعد أبرز تلك النتائج وأوضحها على الإطلاق.
وتعد الأنشطة البشرية وتدخلها في منظومة الكون الطبيعية والعمل على الإخلال بها من أن تقوم بدورها في حماية الأرض، من أبرز مسببات ثقب هذه الطبقة الطبيعية. فانبعاثات غازات الدفيئة تعتبر عاملاً أساسياً في ذلك، وهي تنشأ عن أنشطةٍ متعددةٍ وصورٍ متباينة يمارسها الإنسان بطبيعته دون أن يدري الخطورة الناشئة مستقبلاً، وقد يمارسها وهو يعلم ضررها ولكنه يغض الطرف ويدس الرأس حتى تقع الطامة وتمثل أمام ناظريه أو ربما الأجيال التي تخلفه مستقبلاً في عمارة الأرض. فغالب ما نعانيه من قضايا بيئيةٍ هي نتاجٌ طبيعيٌ لممارسات الإنسان السابقة من إدارةٍ غير رشيدة وكفؤةٍ لنظامه البيئي وتعاملٍ غير مسئولٍ معه، ندفع نحن اليوم ضريبته وتدفع أجيال المستقبل ضريبة ما نمارسه نحن اليوم.
ولنقف قليلاً عند الآلية الطبيعية العاملة على حماية الإنسان والتي أبدع الخالق – تعالت قدرته – إيجادها وجعلها تعمل في صورةٍ رائعةٍ متناغمةٍ ما لم يتدخل الإنسان ويعيث من خلالها فساداً وتدميراً.
فزيادة انبعاثات مركبات الكربون – خاصةً في العالم الصناعي ومن الدول الغنية والمتقدمة – تقابلها آليةٌ أخرى تعمل على تقليل وامتصاص تلك الانبعاثات الضارة، وتتمثل في الرقعة الخضراء من النباتات الطبيعية والتي أبرزها الغابات. فالنباتات الخضراء تستخدم في تمثيلها الضوئي غاز ثاني أكسيد الكربون (Co2) وتبعث بالأوكسجين (O2) في محيطها الجوي. وهذا يعني أنه كلما زادت هذه المساحات الخضراء كلما زادت معدلات امتصاص وتقليل تركيز (Co2) المنبعث في الغلاف الجوي، وبالتالي كلما قلت هذه المساحات بإزالة الأشجار وإبادة الغابات كلما قلت كفاءة آلية الامتصاص لثاني أكسيد الكربون في الطبيعة.
فهذه إذن، هي الخدمات الجليلة التي تقدمها الغابات الطبيعية من خلال المنظومة البيئية. فهي تعمل على: زيادة معدلات هطول الأمطار بزيادة عملية تبخر المياه من أسطح أوراق النباتات إلى الغلاف الجوي، الحفاظ على التربة من الإنجراف والتعرية جراء عوامل المناخ الطبيعية، كما توفر الغابات موئلاً طبيعياً لمختلف العوائل النباتية والحيوانية.
وليست كل أنشطة الإنسان هدامةً. فهو يقوم بالاستزراع الشجري، وإقامة الغابات وحجزها لتحافظ على طبيعة تكوينها وتركيبها، ويعمل كذلك على زيادة المسطحات الأرضية الخضراء. وفي الجانب الآخر، فللإنسان أنشطته المدمرة بيئياً: فإزالة آلاف الهكتارات من الغابات الطبيعية من أجل إقامة مظاهره الحضرية تعد الأبرز، فهو لا يروعي من إزالة غابةٍ ليقيم مصنعاً أو متجراً أو يبني استراحةً أو يشيد طريقاً. كذلك فنحن لا نهتم بتشجير بيئتنا الصغيرة – رغم أن هذا من صميم عقيدتنا- ولا نعمل على إصحاحها بنظافتها وزيادة مساحاتها الخضراء وتقليل الأماكن الغفرة والترب المكشوفة من غير غطاءٍ نباتي. فمن المهم العمل على زيادة الرقعة الخضراء وإزالة المساحات مكشوفة التربة لما لذلك من أثرٍ في تقليل نسبة إصابتنا بالأمراض ومعاناتنا الأغبرة والأتربة المتصاعدة من تلكم الأماكن، حتماً سيصبح الإنسان أكثر صحةً وأمناً. كذلك فنحن لا نحسن التخلص من النفايات ونقوم بإحراقها واستنشاق أبخرتها الضارة.
وفي السودان لابد من العمل على تعظيم دور الغابات الطبيعية في أداء دورها، واحترام ما تقوم به من أدوارٍ عظيمةٍ في خدمتنا، وما تقدمه من منافع جليلة. وأن تعظم الدولة من شأن الغابات، فتعمل على تمكينها وحمايتها وصيانتها وحجزها وحفظها، وتشجع التشجير الأهلي وتغرس وتبعث ثقافة التشجير في الأفراد من جديد، لترى آثار ذلك بيئةً محليةً سليمةً نظيفةً مستدامةٍ ومعطاءة. بذا نكون حقيقةً قد احتفلنا بغاباتنا وما تقدمه من خدماتٍ جليلةٍ لنا.