في ليلة الإسراء والمعراج تختلج في النفس طاقةٌ روحيةٌ عالية، هي نفحةٌ ربانيةٌ عظيمةٌ بثها الخالق في أيام دهرنا، يسلك الجميع في التعرض لها سبلاً شتى، فمنهم المنشد، المتحدث، الشاعر، الكاتب، العابد الذاكر، القارئ للسيرة والمتفكر المتأمل المستغرق في بحور الروح العالية الصفاء. لتبقى السيرة النبوية حاضرةً في حياتنا زاداً غنياً، نقرأه بلغة عصرنا، ولا نترك الباب موارباً للقائلين بأن السيرة صفحاتٌ ماضيةٌ عفى عليها الدهر وغطى عليها غبار السنين فما عادت تجدي نفعاً في حراك القرن الحادي والعشرين!!، ونقف اليوم أمام واحدةٍ من أكبر النفحات المعجزة متفكرين في المعاني قاطفين للثمار الدواني.
- أتت الإسراء والمعراج في وقتٍ ضاقت به الأرض بما رحبت على رسول الإنسانية، وضُيق على الدعوة وشُدِّدَ عليها، لتتدخل السماء بفتحٍ عظيمٍ في وقتٍ دقيق، تُروِّح عن حامل الدعوة وتسري عنه.
- في واحدةٍ من سور المئين، يرد سرد الإسراء ويُستهل الحدث بلفظ ﴿ سبحان ﴾، وعند ورود هذا اللفظ فالأمر التالي له يكون أمراً خارجاً عن المألوف من قوانين الطبيعة مخالفٌ لحيثياتها، فقد كان الإسراء والمعراج حدثاً خرق قوانين الزمان والمكان، ففي جزءٍ من ليلةٍ وقع الحدث بأكمله، مما كان عسيراً معه على المشركين تصديقه فبادروا بتكذيبه!.
- تأكدت في الحدث إمامة وقيادة وريادة رسولنا للبشرية، ومكانته التي لا تدانيها مكانة عند رب العزة، في الأرض: حين أمَّ إخوانه الرسل والأنبياء في بيت المقدس، وفي السماء: حين تقدَّم وتراجع عنه أمين وحي السماء، لأن هذا المقام مقامه وحده من بين الخلق ﴿ فكان غاب قوسين أو أدنى ﴾.
- وقع الإسراء بين مسجدين، وبدأ المعراج من مسجدٍ هو أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، دلالةً عظيمةً وإشارةً قوية إلى مكانة المسجدين في الإسلام وجميع مساجد الأرض، في أنها مؤسساتُ تنشئةٍ وتربية وتدريبٍ وصقلٍ وإطلاق رجالٍ للأمة، وتمثل بصورةٍ أكيدةٍ لا لبس فيها مناراتٌ روحيةٌ ودينيةٌ واجتماعيةٌ وفكرية، وأوعيةٌ لإدارة الحكم، ومكانةٌ وبؤرةٌ لانطلاقة الدولة الإسلامية إلى آفاق العالمية- افتقدت مساجدنا هذه الرسالة، وأضحت دوراً للتعبد قد نغشاها لتأدية بعض الفروض، فمتى تعود المساجد لرسالتها؟؟!!.
- الإسراء والمعراج معجزةٌ ربانيةٌ وقعت بالروح والجسد، ابتدأت أُولى حلقاتها على الأرض واكتملت عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، سبقتها أحداثٌ هيأت لها، لتكتمل بافتراض الصلاة، أعظم وأقدس وأجمع شعائر الإسلام قاطبة، وأرفعها مكانةً وأعمها نفعاً وخيراً للبشرية المؤمنة بربها المبتهلةِ إليه، المتضرعة الخاضعة له جل وعلا.
- في حادثة شق الصدر، أُلقي عن رسولنا حظ الشيطان، وهُيِئَ لرحلةٍ مباركةٍ بدابةٍ تضع حافرها عند منتهى طرفها، تخترق حجب الزمان وقوانينه العاتية، وتجتاز المكان وحواجزه الواهية. هذه التهيئة الربانية تدلل أن الرحلة وقعت بالروح والبدن معاً ولم تكن مناماً أو وحياً أُلقي له فيه.
- ولمكانة الصلاة فرضت ليلة المعراج، والصلاة وما أدراك ما الصلاة؟ جمع الله فيها أفعال وأعمال ملأه الأعلى، وهي إسراءٌ ومعراجٌ يربط العبد بربه، فالصلاة أعظم الذكر وأجمعه. فيها طمأنينة النفس وراحتها وهدوؤها ﴿ أقم الصلاة لذكري ﴾ ، وفيها سكون القلب وخشوعه وراحته وسلامته ﴿ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾، فيها معانٍ روحيةٍ عميقة يشق حصرها وسبر غورها، لكنا نتلمس بعضاً منها.
- هي طهارةٌ للنفس وتنقيةٌ للجوارح من الأرجاس والذنوب مع قطر الماء أو آخر قطرةٍ منه، والمؤمن المُصَلِّي لا نجده رجساً أو به أذىً في بدنه أو ثوبه أو مكانه أو نفسه، ولا يُبْقِي الوضوء بعد ذلك من خطاياه شيئاً، فيمحوها محواً.
- جمع الله في الصلاة شعائر الإسلام، ففيها توجهٌ إلى القبلة ونطقٌ بالشهادة، ولا يجوز فيها الأكل والشرب، فيها تزكيةٌ لزمان المسلم كله باقتطاع اليسير منه تكون به البركة لسائره، وفيها معاني التوجه إلى البيت الحرام الذي تهوي إليه الأنفس وتشتاق.
- هي الصلة الدائمة بين العبد وربه، فلا تسقط بحالٍ من الأحوال، بل تتعدد صورها وكيفياتها، فهناك الصلاة المفروضة، الاستخارة، الحاجة، التسابيح، الجنازة، العيدين، الجمعة، الضحى، الخسوف والكسوف، الاستسقاء، الخوف، المسافر...إلخ.
- وفي قرن تقدم العلوم وانتشارها، يبشر العلماء كل فجرٍ جديد بفوائد عظيمة للفرد، ويتخذون من الصلاة أداةً لبلوغ تلك الفوائد الصحية والنفسية والبدنية:_
- الهواء الصافي النقي غير الملوث، يكون في وقت الفجر الأول-الأكثر فائدةً وصحةً للجسم- عند صلاة الصبح.
- الطاقة الزائدة والمضرة بجسم الانسان، الناتجة عن التعرض للإشعاعات الكونية المختلفة، يتم تفريغها والتخلص منها بوضع عظمة الجبهة وإلصاقها بالأرض- وهذا الوضع الخاص لا يتسنى إلا من خلال السجود في الصلاة.
- علماء صحة الجسم والرياضة والمحافظة على الأبدان، يرون في أفعال الصلاة والإنتقال بينها الفائدة الكاملة في المحافظة على البدن قوياً صحياً مع تقدم العمر.
- الطهارة والنظافة الحسية للبدن، هي ما يجنبه العديد من الأمراض، وهذه تتوفر أيضاً من خلال الوضوء، فالمؤمن المتوضئ المُصَلِي طاهر البدن نظيفه، داخل بدنه وظاهره سواء.
- المُصَلِي دائم الصلاة، لا تجد به رائحةً مؤذيةٌ أبداً، وإن كانت الأجواء مواتيةً لبعث تلك الروائح ودعوتها.
· للصلاة نورٌ ربانيٌ خاص، به يعرف من ينتمي إلى الأمة المحمدية من غيره يوم القيامة" غرلاً محجلين من آثار الوضوء "، فأماكن الوضوء من الإنسان تشع وتطلق نوراً يتميز به أهل الملة عن غيرهم، فمن شاء فليطل غرته.
· بفلاح المرء واجتيازه سؤال الصلاة يصلح سائر عمله، وبفسادها يفسد سائر العمل، فالصلاة هي الركن الأول في الإسلام بعد الشهادتين- فيا عجبي ممن يصوم ويحج ويتصدق ويهجر الصلاة ولا يستقبل قبلة الإسلام!!!.
· الصلاة شعيرةٌ جامعة لكل أفضال الخير وصفاته فمن يؤديها ويداوم عليها، فكل خيرٍ وعافيةٍ واستقامةٍ وطهارةٍ ونظافةٍ وتوفيقٍ وبركةٍ و... فمن الصلاة.
· لنحيي ذكرى الإسراء والمعراج في أنفسنا، بتجديد عهدنا مع الصلاة وتوثيقه والإلتزام به وعدم النكوص عنه بأي حالٍ من الأحوال، فهذا إحياءٌ عمليٌ فعليٌ لهذه المعجزة الربانية، بجعلها حيةً دائمةً وحاضرةً في حياتنا لا تغيب عنا لحظة، ولا نحتاج مع ذلك لمرور ليلة الــ 27 رجب لنحيي هذه الذكرى. فهلا فعلنا؟؟؟.