الإسراء والمعراج معجزةٌ ربانية، وآيةٌ إلهية، جاءت تسريةً وتعزيةً لرسولنا صلي الله عليه وسلم من عنت أهل الأرض (مكة والطائف)، ودلالةً بينةً بقرب نصر الله من المؤمنين وعنايته ولطفه بهم، اخترقت حجب الزمان العاتية، وطوت امتدادات المكان المرهقة في رحلةٍ اجتازت السبع الطباق لتنتهي عند سدرة المنتهي. وقعت احداثها في جزءٍ من الليل عبر عنه القرءان الكريم بـ ( ليلاً )، ممتدةً من بطحاء مكة حيث المسجد الحرام، إلي أرض الشام حيث المسجد الأقصي المبارك، فيا لها من رحلةٍ عجيبةٍ مباركة..!!
وهي نفحةٌ ربانيةٌ عظيمة، علينا التعرض لها لنأخذ منها العبر، وندرك الحكم الجلية والإشراقات الرحمانية السنية علي خير البشرية لأمةٍ هي خير الأمم،وليست مجرد ذكري تعبر بعبور الزمان، تُنسي وتُدْرَسْ.
نقف متأملين لأبرز أحداث الرحلة الرحلة المباركة، لنستصحبها في واقع حالنا، لتكون خير زادٍ من خير زمان :_
· جاءت الرحلة الربانية بعد مجابهة رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم لِعَنَتِ وفجور أهل مكة، مشيرةً ومدللةً علي أن العناية الإلهية عظيمة. عظمةٌ لا تحدها حدود، فإن ضاقت جنبات الأرض علي رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم وأرهقه أهلها، تفتحت له أبواب السماء،واستقبله ملؤها الأعلي، وهذه سنةٌ من سنن الله في الكون، نصر المؤمنين والتفريج عنهم من بعد الكرب والتضييق.
· الإسراء والمعراج معجزةٌ بينةٌ لتخطيها حجب الزمان، فقد كانت في جزءٍ من الليل (فذهب وعاد صلي الله عليه وسلم ولم يبرد فرشه !!)، في رحلةٍ يضرب الناس فيها أكباد الإبل شهراً جيئةً وذهاباً. وكانت الرحلة بدابة البراق الذي يضع حافره عند أقصي طرفه، طاوياً قوانين السرعة ومعاملاتها. والأسراء وقع في حق الأنبياء فهذا لوط عليه السلام يأمر به } فأسر بأهلك بقطعٍ من الليل {،فهو من سنن الأنبياء قبله عليهم أفضل الصلاة والسلام.
· كان جبريل عليه السلام رفيق رحلته، معيناً ومسدداً ومستفتحاً لأبواب السماء. وكذا اتخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم صاحباً له في هجرته. وهذه من سنن الأنبياء، فموسي عليه السلام اتخذ من غلامه يوشع بن نون معيناً له في رحلة البحث عن العبد الصالح.
· إمامته صلي الله عليه وسلم لإخوانه الأنبياء بالمسجد الأقصي، دلالةٌ علي ختمه صلي الله عليه وسلم لرسالات السماء، وتأكيداً وإبرازاً لمكانته بين الرسل عيهم أفضل الصلاة وأتم التسليم .
· أدني رب العزة عزوجل رسوله صلي الله عليه وسلم وقربه إليه، في موضعٍ لم يبلغه ملكٌ مقرب، فتأخر عنه جبريل وتوقف، فاستعلمه رسول الله صلي الله عليه وسلم ( أفي مثل هذا المقام يفارق الخليل خليله؟ )، وسطر القرءان هذا المقام الرفيع والمكانة العظمي } ثم دني فتدلي * فكان قاب قوسين أو أدني { النجم.
· من بين شعائر الإسلام، فرضت الصلاة ليلة المعراج في السماوات العلي لعظمتها ومكانتها، خمسين ثم خُفِضَتْ إلي خمسٍ، وهذا من رحمة الله بعباده، فالصلاة أول ما يسال عنه العبد يوم القيامة، وهي آخر ما تلفظ به صلي الله عليه وسلم من كلام الدنيا ( الصلاة وما ملكت أيمانكم ).
· لابد من الاهتمام بأداء هذه الشعيرة، دواماً ومحافظةً لأوقاتها فهي أفضل العمل، ووقتها يزكي كل أوقات المسلم ويباركه، وهي عبادةٌ جامعةٌ لصنوف العبادات : ففيها الطهارة والزكاة وفيها معني الصوم والحج والتوجه إلي الله وإفراده بالعبادة.
· والصلاة تتنوع صورها وأحوال أدائها، ويؤمر بها منذ الصغر ( مروهم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرقوا بينهم في المضاجع )، وهي التي مدح الله بها أسماعيل عليه السلام } وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً { مريم.
· الصلاة صلةٌ بين العبد وربه لا تنقطع، ومعراجٌ إلي محراب السماء لا ينفصم، وسببٌ من أسباب الرضي، وداعيةٌ إلي الطهروالفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وهي أرفع الذكر وأعلاه، وبها تحدث الطمأنينة والسكينة } ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد، والإعراض عنها من أسباب المعيشة الضنك، والمآب الخاسر} ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكي * ونحشره يوم القيامة أعمي{ طه.
· والصلاة عماد الدين وقوامه كله، فبإقامتها قوام الدين، وبتركها يهدم الدين، فمهما بلغ المرء من الشأوِ والسؤددِ والمكانةِ والرفعة وكان تاركاً للصلاة مجافياً لها، كان خاسراً لا محالة، ساقطاً في براثن الغفلة وإن غرته الدنيا بزخرفها وأغرته.
· رأي رسولنا صلي الله عليه وسلم في الرحلة المباركة آياتٌ باهرةٌ عظيمة } لقد رأي من آيات ربه الكبري { النجم، رأي أصنافاً من الناس بأعمالهم في الدنيا، ومآلهم وخسرانهم في النار يوم القيامة، فرأي حال آكل الربا، وآكل مال اليتيم، والزناة...، وفي هذا بلاغٌ لمغترفي هذه الأعمال، وبيانٌ لمصيرهم ومنتهي جزاءهم.
· علينا التصديق الكامل بالآيات المعجزة، والتي جُعِلَتْ علي أيدي الرسل علي وجه الإعجاز والتأييد، كما كان شأن الصحابي الجليل عبدالله بن أبي قحافة، الذي قال (إني لأصدقه في الخبر يأتيه من السماء)، لذا سمي صديقاً رضي الله عنه وأرضاه.
· إن أبلغ معنيً يمكن أخذه من هذه الرحلة، إحياؤها في أنفسنا، وأهلنا، وأحبابنا، وأقربائنا، ونشأنا، نأمرهم ونذكرهم ونحملهم عليها، بذا نكون قد أحيينا هذه الذكري، وجَنَيْنَا طِيْبَ ثمارها، دانيةً شهيةً عذبة المذاق، والله الهادي إلي سواء السبيل.